بقلم : د. مختار القاضي
مراجعة : جيهان الجارحي
يعتقد البعض أن السحر ضرب من الخيال ، وأنه ليس موجودًا على الإطلاق ، وأنه مجرد خرافة ، والبعض الآخر يعتقد بوجود السحر والجن والشياطين وغيرها من المخلوقات ، التي رآها البعض أو عرفها أو اطّلع على كتبها . الحقيقة أن السحر موجود ، وذُكر في جميع الكتب السماوية ، ولكن ممارساته بقيت سرية وفي طي الكتمان ، واحتفظ بعلوم السحر القليل من البشر ؛ لأنه تم تحريمه في القرآن الكريم . والسحر يُستخدم فيه البخور والشموع والطلاسم والدماء ، بل وكلمات غير مفهومة ، وغايته الأذيّة وإحداث الضرر الكبير الذي لا تُحمد عواقبه ، بل وتغيير الواقع ، وهو عالم مليء بالأسرار والغموض وبه طقوس مُحرّمة .
عرفت البشرية السحر منذ القدم ، وكان للسحرة شأن عظيم ، وتبوأ البعض منهم المناصب الكبرى ، وكان لهم دور كبير في اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية في بعض الدول ؛ وذلك لأن لدى السحرة قدرات خارقة لا يملكها الكثيرون .
كان السحر موجودًا في الحضارة الفرعونية ، واعتبره العلماء من أخطر أنواع السحر ، لدرجة أن أطلقوا عليه اللعنة أو لعنة الفراعنة ، التي تُعتبر لغزا من ألغاز التاريخ ، وكان السحر الفرعوني يُسمى بالسحر الدفاعي ، ويهدف إلى طرد الأرواح الشريرة وحماية الفرعون وموميائه وأثاثه الجنائزي بعد الموت ؛ ليتمكن من إتمام رحلته إلى العالم الآخر .
وُجدت نصوص في المقابر الفرعونية تهدف إلى حماية المقبرة وصاحبها ، وترهيب كل مَن يحاول العبث بالمقبرة ، وتشير بعض النصوص إلى أن فرس النهر سوف يلتهم عظام من يحاول تخريب المقبرة أو سرقتها ، أو أن التمساح والأسد سيأكلان لحمه أو سيجري سُم الأفعى في عنقه ، كما يقول أحد نصوص مقبرة الملك توت عنخ آمون : “سيضرب الموت بجناحيه الساميْن كل من يُعكّر صفو الملك” .
وقد حدث هذا بالفعل ، وكانت نهاية مكتشفي المقبرة مأساوية ، وهما هيوارد كارتر ، وكارنا رفون .
كان على الفرعون نفسه حفظ بعض الطلاسم ليتفادى بها ، خلال رحلته إلى العالم الآخر ، الثعابين والحيوانات المفترسة التي تعترض طريقه .
كان الكهنة أيضا يتعلمون السحر ، ويستخدمونه للانتقام في بعض الأحيان ، وقد ذُكر ذلك في إحدى البرديات الفرعونية ، حيث تعرض أحد الكهنة للخيانة من زوجته ، فما كان منه إلا أن تعقّب الشاب الخائن حتى نزل إلى البحيرة ، وعندها ألقى تمساح صغير مصنوع من الشمع في البحيرة ، وظل يردد تعاويذ سحرية حوّلت التمساح الشمعي إلى تمساح ضخم التهم الشاب . وقد تعلم السحر الكهنة المُرتلين ، وكان السحر علما له مواثيق وعهود وشروط لمن يرغب في تعلمه .
عُرف السحر كذلك في الحضارة البابلية ، وانتشر السحر الأسود بين الناس عن طريق الشياطين ، وعلّم الملكان هاروت وماروت السحر للبشر ليقيهم من الشر ، وكان ملك بابل يُسمى النمرود ، وقد مَارَس السحر ، وسخَّر الجن والشياطين لخدمته ، إلا أن نهايته كانت مأساوية ، فمات بسبب بعوضة دخلت رأسه واستقرت فيها لأيام عديدة ، قبل أن يلقى الملك النمرود حتفه .
هناك ثلاثة أنواع للسحر ، هي السحر الأبيض الذي يُستخدم لأعمال الخير ، وهناك السحر الأسود الذي يُستخدم في أعمال الشر ، وهناك أيضا السحر الأحمر ، وهو وسط بين السحريْن الأبيض والأسود ، ويستخدم لحل المشاكل .
يستخدم السحرة في أعمالهم الدُمي والدبابيس والعظام والجماجم والطيور والبخور وبعض النباتات ، وكذلك الدماء ، ويقومون بحركات غريبة أثناء ممارساتهم الشريرة ، ويستخدمون الطلاسم والطقوس السحرية لاستحضار القوى الشريرة لتحقيق أغراضهم . أصبح للسحر قواعد وأسس ، بل وصار علما له كتب ومؤلفات ، وأشهر كتب السحر : كتاب شمس المعارف الكبرى ، والعزيف ، والتلمود ، والكابالا . ويعتبر التلمود هو أول كتب السحر ، حيث يذكر الكتاب أن علماء التلمود قادرون على خلق رجل بعد قتل رجل آخر ، بل وتحويل الخضار والفاكهة إلى حيوانات ، وتحويل الماء إلى عقارب ، والأخطر هو تحويل البشر إلى حيوانات !
تعني كلمة “التلمود” الدراسة أو التعليم ، وهو يُعتبر كتاب ديني لدى اليهود ؛ لكونه يضم التعاليم اليهودية الشفهية .
أما كتاب الكابالا ، فيعود إلى الكاهن “شمعون بن يوحاي” الذي تمكّن من الهرب من الرومان ، الذين كانوا يريدون إعدامه ، واحتمى بعيدا عنهم في كهف لمدة ثلاث عشرة سنة ، كان يتأمل ويذكر طقوس السحر والشياطين وأرواح الموتى وكيفية تسخيرها وتقمُصها . والكابالا تعني القبول والتلقي في اللغة الآرامية ، والكابالا كتاب سري لم يُعرف إلا منذ سنوات قريبة ومحظور من التداول ، إلا أنه تم رفع الحظر عنه بهدف العلم والدراسة . أما كتاب شمس المعارف الكبرى ، فهو ممنوع في الدول الإسلامية وقراءته مُحرَّمة ، وهو من تأليف “أحمد بن علي البوني” الذي عاش في أواخر القرن الثاني عشر ، ويتناول الكتاب كيفية تحضير الچان .
أما كتاب العزيف ، فهو من تأليف الشاعر “عبدالله الحضرد” الذي يُعرف بالعربي المجنون . والعزيف كلمة تعني الأصوات التي تصدر ليلا من الحشرات أو أصوات الجن والشياطين .