أسرار حرب الأفيون بين الصين وبريطانيا والتي حولت الشعب الصيني إلى الإدمان

مقال بقلم : د . مختار القاضي

كيف يتم احتلال إمبراطورية مثل الصين تضم أكبر عدد من السكان في العالم ومساحتها شاسعة وقدراتها القتالية عالية ؟ للإجابة عن هذا السؤال نعود بالتاريخ إلى الوراء ، حيث أنه في أي دولة تتخذ الحكومة فيها قرارا بتجريم تجارة الأفيون ، سوف ينظر إليها كدولة محترمة ، وسيجد القرار التأييد والدعم من الغالبية إلا في الصين ، فقد كان هذا القرار سببا في احتلالها ونهب خيراتها . قرر إمبراطور الصين “شيان لونج” مع مطلع القرن التاسع عشر إغلاق الموانئ الصينية في وجه التجارة البريطانية ؛ بحجة أن لدى الصين اكتفاء ذاتي من السلع ، فطلب منه ملك إنجلترا چورچ الثالث فتحها ، ولكن إمبراطور الصين رفض .

غضبت بريطانيا في حينها كون الصين كانت أكبر أسواقها ، فأوعزت الحكومة البريطانية سنه ١٨١٧ م إلى شركة الهند الشرقية المملوكة لبريطانيا ، والتي كانت هي فقط المسموح لها بالتجارة مع الصين ، بزراعة مساحات شاسعة من أراضيها بالأفيون والبدء في تصديره للصين بأسعار رخيصة جدا وفي متناول الشعب الصيني ، ومضى على القرار عشرة أعوام ليصبح 90 بالمائة من الشعب الصيني وجيشه غارقا في إدمان الأفيون ، وباتت نصف إيرادات الصين من الأفيون .

اضطر إمبراطور الصين إلى سن قانون يجرم تجارة الأفيون وتعاطيه ، إلا أن الشركة الموردة للأفيون استمرت في توريده للصين سرا ليقوم الإمبراطور بتفويض الجيش بالتصرف ومحاصرة تجارة الأفيون . قام الجيش الصيني بإلقاء القبض على كل المهربين البريطانيين وجميع العاملين معهم من الهنود والصينيين ، كما قام الجيش بإحراق آلاف الأطنان من المخدرات ، الأمر الذي أغضب حكومة بريطانيا العظمى . أمرت بريطانيا أسطولها بالتحرك وقصف السواحل الصينية ، كما قامت إنجلترا برشوة قيادات الجيش الصيني الذين كانت غالبيتهم من المدمنين بهدف احتلال الصين .

تمكنت إنجلترا من اجتياح الأراضي الصينية عام ١٨٤٢ م ، ووصلت إلى أبواب القصر الإمبراطوري ، واضطرت الصين إلى توقيع اتفاقية “نانكنج” لعودة التجارة مع إنجلترا ، وعمل ميزات خاصة لها بما فيها عودة تجارة الأفيون ، الأمر الذي أنعش الاقتصاد الإنجليزي وأثار حفيظة الفرنسيين والأمريكيين الذين سعوا للحصول على امتيازات مشابهة لامتيازات الإنجليز . في عام ١٨٥٥ م وافقت بريطانيا على طلبات فرنسا والولايات المتحدة بالدخول للسوق الصينية التي تنتعش بها تجارة المخدرات وتجارة أخرى يطلق عليها تجارة الخنازير ، ويقصد بها العبيد الصينيون ، ولكن الصين رفضت ورأت في ذلك أمرا مهينا ، ورفضت تعديل الاتفاقية ، فقامت بريطانيا عام ١٨٥٦ م باتهام الصين بالاعتداء على جندي بريطاني ، وطالبت باعتذار رسمي موقع من الإمبراطور الذي رفض الاعتذار .

شنت البحرية الفرنسية والإنجليزية حربا جديدة ضد الصين ، وقامت باقتحام القصر الإمبراطوري وإجبار الإمبراطور على توقيع اتفاقية جديدة عرفت باسم (تيان _ تسن ) والتي سمحت للدول الغربية بالتجارة البحرية في السوق الصينية . بعد مرور عدة سنوات على هذه الاتفاقية قررت روسيا استباحة السوق الصينية ، واتحدت مع بريطانيا لتقوم حرب ثالثة سنة ١٨٦٠ م وتهزم الصين ، ويوافق الإمبراطور على تقسيم الصين بين أربعة دول هي : أمريكا وروسيا وفرنسا وإنجلترا ، كما سمحت الصين بأخذ مواطنيها كعبيد تحت اسم تجارة الخنازير . ماهي إلا أعوام قليلة حتى أصبح سكان الصين مدمنين للأفيون ، لتطوى بذلك صفحة من أسوأ الحروب في التاريخ والتي افتعلتها الدول الغربية لنهب الثروات واحتلال دول أخرى .

عن Gihan Elgarhy

شاهد أيضاً

الكاتب الصحفي والإعلامي محمد مصطفى شردي يقدم برنامج “كل يوم” على شاشة “ON” الأربعاء المقبل

كتب ابراهيم احمد يبدأ الكاتب الصحفي والإعلامي، محمد مصطفى شردي، رحلة إعلامية جديدة خلال الأيام …