الإرهاب .. نشأته وأخطاره وكيفية القضاء عليه

مقال بقلم : د . مختار القاضي

كثيرا ما نسمع عن دول تحارب الإرهاب ، وللأسف لايوجد حتى الآن تعريف واضح للإرهاب لدى منظمة الأمم المتحدة ، فكيف تحارب هذه الدول كيانات إرهابية لم تتفق بعد على تسمية أو تعريف لها ؟! . إن عدد الجماعات الإرهابية التي اتفقت عليها دول العالم حتى الآن لا يتعدى عدد أصابع اليد الواحدة فقط ، وهو عدد قليل جدا ، ومعنى كلمة إرهاب هو الخوف والرعب ، وقد يتحول بعض البشر إلى إرهابيين عندما يشعرون بالخطر على توجهاتهم وأيدلوچياتهم أو أهاليهم ، ويصبحون في حالة حرب خوفا على بقائهم هم ومن يحبون ، والبعض ربط بين الإرهاب وتوجه ديني معين

ظهر الإرهاب عقب الثورة الفرنسية ، واعتبر المؤرخون أن فرنسا هي من اخترعت هذا الترهيب الحديث من خلال الأفعال التي ارتكبت عقب الثورة الفرنسية إبان القرن الثامن عشر ، ثم عاد لفظ الإرهاب ليستخدم على أيدي بعض الدول الكبرى ، مثل روسيا التي استخدمته ضد حركات المقاومة المسلحة خلال فترة الأربعينيات . تم بعد ذلك ربط فكرة الإرهاب بالدين خلال الثمانينات ، والذي بلغ ذروته أثناء الحرب الأفغانية السوڤيتية ، حيث تمكنت فيها حركة المقاومة الأفغانية التي كانت تقاوم تحت راية الدين أن تهزم الإتحاد السوڤييتي في الحرب ، وتصبح أحد أسباب تفكك الاتحاد السوڤييتي ، وذلك بدعم من بعض الدول العظمى لإعادة تشكيل القوى الكبرى في العالم من جديد ، وعلى رأس هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية ، حيث قامت بعمل أكبر وأخطر الحملات الإعلامية في تاريخ العالم ، والتي تحث الشباب العربي على الذهاب إلى أفغانستان لمحاربة السوفييت تحت مسمى الجهاد الإسلامي ، وبالفعل تمكنت بعض الجماعات الإسلامية المتشددة من خوض الحرب وتحقيق النصر .

عقب انتهاء الاتحاد السوڤييتي وتفكيكه أصبح هناك عدد كبير من الجماعات الإسلامية المسلحة على أعلى مستوى ، والموجودة على أرض الواقع وتحولت إلى جماعات متصارعة في سبيل الوصول للحكم ، وهنا كانت نقطة التحول عندما قررت أمريكا دعم جماعة واحدة فقط لتنتصر وتكون هذه الجماعة هي الحليف القوي والسهل تطويعه . هذه الجماعة هي حركة طالبان التي نشأت في ولاية قندهار الأفغانية على يد الملا عمر الذي أعلن أهدافه من جعل أفغانستان ولاية إسلامية ، والقضاء على مظاهر الفساد الأخلاقي وإعادة الأمن والاستقرار لأفغانستان ، كما أصبح حليفا للولايات المتحدة الأمريكية ، وصارت طالبان تمتلك أخطر سلاح في العالم ، ألا وهو الإنسان المسلح بالإيمان ومجاهدين من دول مختلفة ، وتمكن الملا عمر من تحقيق أهدافه بمساعدة تنظيم القاعدة الذي تم الإعلان عنه رسميا بقيادة أسامة بن لادن ، وبذلك أصبحت طالبان هي الأب الروحي لتنظيم القاعدة .

عقب انتهاء الحرب الأفغانية توقفت الولايات المتحدة عن دعم حركة طالبان ، ثم اندلعت حرب الخليج وأحست السعودية بتهديد القوات العراقية التي تفوقها عددا ، وهنا عرض أسامة بن لادن بصحبة المجاهدين مساعدة السعودية التي رفضت بشكل قاطع ، وتعاونت مع الولايات المتحدة في سبيل صد الخطر العراقي ، وفي هذه اللحظة استشعرت السعودية والولايات المتحدة بالخطر ، فتم سحب الجنسية الأمريكية من أسامة بن لادن . أعلن تنظيم القاعدة مسئوليته عن تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر ، والتي وقعت في نيويورك في قلب أمريكا ببرج التجارة العالمي ، وهي أكبر عملية إرهابية في تاريخ أمريكا ، وهنا علمت أمريكا بقدر الخطأ الذي وقعت فيه ، وكأنها خلقت ڤيروس وفقدت التحكم فيه .

قامت أمريكا بغزو العراق كما قامت بحل الجيش العراقي سنه ٢٠٠٣ م ؛ ولهذا السبب نشأت الجماعات المسلحة وراجت تجارة السلاح ، وأصبح كل مواطن مسئول عن حماية نفسه ، وكذلك كل طائفة ومذهب ديني ، وأصبح المدنيون العزل في مرمى نيران الجميع ، ومن هنا نشأت جماعات إرهابية تحت مسمى الطوائف والمذاهب المختلفة ، وحملت السلاح وأصبحت تتصارع مع بعضها البعض ، ولم تقوم أمريكا بنصرة جماعة على أخرى بعد أن تعلمت مما حدث في أفغانستان ، وأصبح البقاء للأقوى في العراق ، وأعلن تنظيم القاعدة عن وجوده في العراق ، وأصبح مدعوما من عدة دول ، وهنا نشأ مصطلح جديد وهو الحرب بالوكالة ، بمعنى لماذا أحارب أحدا بينما يمكنني أن أمول من يحاربه ؟ ومن هنا تكون أكبر بيزنس في التاريخ ، وهو بيزنس الإرهاب . تحولت الجماعات المسلحة في العراق إلى جماعات لها أچندات خاصة ومصالح ، بل وأصبحت تجلس على موائد المفاوضات لبعض الدول .

قامت ثورات الربيع العربي ونشأ عنها تفكك كبير في بعض الدول ، وأصبح أمام هذه الجماعات الإرهابية فرصة تاريخية لزيادة قوتها بدعم من الشباب ، ثم بايعت بعض الجماعات بعضها البعض وانتقلت هذه العدوى من العراق إلى سورية التي يوجد بها عدد كبير من الطوائف الدينية ، مما جعلها أرضا خصبة لهذه الجماعات الإرهابية ، وتحولت سورية إلى مسرح العمليات الإرهابية بالعالم كله ، ومكان ساخن للحرب بالوكالة ، كما نشأ فيها تنظيم داعش أو تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام . بدأ الصراع العربي بمنطقة الشرق الأوسط عن طريق جماعات تحارب بعضها البعض ، وتنظيمات تحارب حكومات واستوحش الڤيروس وتعاظم بيزنس الإرهاب ، ومن هنا نشأ أهم خطر يواجه البشرية ؛ لأن هذه الجماعات الإرهابية قامت بهيكلة نفسها بطريقة يصعب القضاء عليها ، حيث أن كل جماعة أصبح بها مستويان ، مستوى سياسي يتلقى التمويل ويحارب بالوكالة ، والمستوى الثاني يتحدث باسم الدين ، فإن تم القضاء على المستوى الأول سيتلقى المستوى الثاني صاحب الفكر الديني والذي يصعب القضاء عليه بفعل انتشار أفكاره المغلفة بغلاف ديني ، فأصبحوا مثل ڤيروس الكورونا في حالاته المتأخرة التي يستحيل فيها القضاء عليه .

هنا يبقى السؤال : هل توجد نية دولية للقضاء على الإرهاب ؟ عندما نجد تصنيفا دقيقا لهذه الجماعات وتعريفا محددا للإرهاب يمكن أن نقول نعم .
من ناحية أخرى ، سوف نجد مصالح مشتركة بين بعض الدول وعدد من الجماعات الإرهابية ، كما سبق وأعلنت الولايات المتحدة وحركة طالبان عن إنهاء الحرب بينهما في أفغانستان الذي تم في فبراير ٢٠٢٠ م . ومن ناحية أخرى ، تخشى بعض الدول محاربة بعض الجماعات الإرهابية التي كانت تتعاون معها خوفا من افتضاح أمرها وتورطها في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية لاتسقط بالتقادم . تم تغيير مسمى الإرهاب إلى مكافحة التطرف ذي الطابع العنيف ليصبح المعنى كبير ويصعب تطبيقه على أرض الواقع ، وطالما أن هناك اختلافا على وصف وتصنيف الإرهاب ، فيستحيل لذلك القضاء عليه بطرق المواجهة المعروفة .

Related Posts

EdVentures و Mastercard Foundation يقودان الابتكار في قطاع تكنولوجيا التعليم في مصر

  كتب إبراهيم أحمد حققت EdVentures، الذراع الاستثماري لمجموعة نهضة مصر، ومؤسسة ماستر كارد Mastercard Foundation تحولًا في قطاع تكنولوجيا التعليم في مصر من خلال مبادرتهما المشتركة، “زمالة مؤسسة ماستركارد…

دبي للإعلام تواكب المستقبل بأفضل التقنيات

كتب ابراهيم احمد أعلنت مؤسسة دبي للإعلام عن نجاحها في تطوير إحدى عربات البث الخارجي إلى تقنية “4 كي” (4K)، والتي تشمل أحدث المواصفات التكنولوجية الخاصة بعربات البثّ التلفزيوني فائقة…

You Missed

انطلاق مؤتمر المسؤولية المجتمعية للشباب في نسخته الرابعة «٢٤ – ٢٦ فبراير» ضمن فعاليات معرض sports expo

انطلاق مؤتمر المسؤولية المجتمعية للشباب في نسخته الرابعة «٢٤ – ٢٦ فبراير» ضمن فعاليات معرض sports expo

الإعلامية عائشة الرشيد : علاقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بحماس

الإعلامية عائشة الرشيد : علاقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بحماس

الإعلامية عائشة الرشيد : الصناعات الدفاعية في دولة الإمارات تدعم الاقتصاد الوطني

الإعلامية عائشة الرشيد : الصناعات الدفاعية في دولة الإمارات تدعم الاقتصاد الوطني

الإعلامية عائشة الرشيد : حرب أيلون ماسك مع المؤسسات الأمريكية الحكومية

الإعلامية عائشة الرشيد : حرب أيلون ماسك مع المؤسسات الأمريكية الحكومية

الإعلامية عائشة الرشيد :  إرهاب الذئاب المنفردة يضرب العالم

الإعلامية عائشة الرشيد :  إرهاب الذئاب المنفردة يضرب العالم

وزير الشباب والرياضة يفتتح كأس العالم للسباحة في المياه المفتوحة 2025 في سوما باي للعام الثالث على التوالي

وزير الشباب والرياضة يفتتح كأس العالم للسباحة في المياه المفتوحة 2025 في سوما باي للعام الثالث على التوالي