إستكمالا للموضوع الذي تم استعراضه في الجزء الأول ، حيث شهد التسويق السياسي خلال الفترة السابقة تطورا كبيرا لاستخدام التقنيات الحديثة من أجل الوصول الى الجماهير والتأثير فيها . ومن أبرز هذه التقنيات هو الذكاء الاصطناعي والذي أضحى أداة مهمة وأساسية في الحملات الانتخابية والسياسية وذلك للقدرة الفائقة على تحليل البيانات والرؤى الدقيقة والسريعة والتي تستخدم في إتخاذ القرارات .
وفي هذا الصدد فإن الذكاء الاصطناعي يقوم بمعالجة البيانات الضخمة في وقت بسيط ، مما يتيح للعاملين والفرق السياسية التعرف على رغبات الناخبين وتوجهاتهم السياسية بشكل أكثر دقة .
وباستخدام تحليل البيانات الضخمة BIG Data يمكن للسياسيين والحملات السياسية ان تتعرف على الانماط والاتجاهات التي غالبا تكون مخفية عن التحليل البشري العادي ، من خلال تحليل التفاعلات على وسائل التواصل الاجتماعي والمحتوى الذي يشاركونه والموضوعات التي يهتمون بها لتوجيه الرسائل السياسية بشكل أكثر احترافية للمستهدفين من تلك الحملات التسويقية السياسية .
ومن خلال الذكاء الاصطناعي يمكن تحديد الرسائل السياسية وتخصيصها لتتناسب مع الفئات المستهدفة وذلك باستخدام التحليل السلوكي ، حيث يستطيع الذكاء الاصطناعي بتحديد الاهتمامات لكل مجموعة إجتماعية أو ديموجرافية . ومن هنا يمكن ارسال رسائل دقيقه ومخصصة تستهدف اهتماماتهم واحتياجاتهم الخاصة .
فمثلا الرسائل التي يتم توجيهها الى المناطق الريفية ستختلف عن تلك الرسائل التي يتم توجيهها الى المدن والمناطق الحضرية ، وأيضا اختلاف رسائل الشباب عن الناخبين الأكبر سنا .
كما يتم استخدام روبوتات الدردشة في الحملات التسويقية السياسية والمعتمدة على الذكاء الاصطناعي للتفاعل الفوري والفعال حيث تقوم هذه الروبوتات بالرد على الاستفسارات وتقديم المعلومات السياسية ، وتجميع التعليقات حول الآراء لقضايا معينة تخص الجماهير والناخبين .
فإن هذه الأدوات توفر الاساليب الفعالة والطرق المباشرة في التواصل مع الجماهير على مدار الساعة مما يعزز المشاركة والتفاعل مع الجماهير .
ويقوم الذكاء الاصطناعي بإجراءات التحليل التنبؤي للأحداث المستقبلية بناء على البيانات التاريخية والسلوكية للمجتمع ، كما يمكن التنبؤ بنتائج الانتخابات بناء على التصويت المحتمل وتحليل آداء المرشحين للإنتخابات أثناء وقت الحملات الانتخابية ، وهذا يساعد كثيرا في اتخاذ قرارات أكثر فاعلية واستراتيجية لكيفية تخصيص الموارد والجهود الانتخابية .
ومن التحديات الكبيرة التي يواجهها المرشحين وحملات التسويق السياسي في عصر المعلومات ، إنتشار المعلومات و الشائعات المضللة وبإستخدام الذكاء الاصطناعي يمكن تحديد المحتوى الزائف والمضلل من خلال تحليل النصوص والصور والفيديوهات والتي يتم تداولها عبر الانترنت . كما يمكن للذكاء الاصطناعي المساهمة في توضيح الحقائق والبيانات المزيفة مما يساعد في مصداقية وتعزيز حملات التسويق السياسي .
و يساهم الذكاء الاصطناعي في تحسين استهداف الاعلانات الرقمية من خلال تصنيف وتحليل بيانات الجماهير والمستخدمين على الانترنت ، ومن هنا يمكن تحديد الأشخاص الذين من المرجح أن يكونوا على شغف واهتمام برسائل سياسية معينة .
والجدير بالذكر فإن الذكاء الاصطناعي يراقب ردود الأفعال للحملات السياسية التسويقية بشكل فوري مما يساعد على تقييم آثار تلك الحملات التسويقية السياسية واتخاذ الاجراءات والقرارات الصحيحة في تصحيح المسار من أجل تحسين إستجابة الحملات للأحداث والتطورات السياسية والتي قد تحدث خلال فترة الانتخابات .
لذا فإن الذكاء الاصطناعي له دور هام ومحوري في التسويق السياسي وأصبح بالغ الأهمية في هذا العصر ، لتحسين آداء وقدرة الحملات الانتخابية على تحليل البيانات وتخصيص الرسائل والتفاعل مع الناخبين والتوقع للإتجاهات المستقبلية .
والذكاء الاصطناعي يمكنه أن يحدث ثورة في إدارة حملات التسويق السياسي مع مراعاة إستخدام تلك الأدوات بشكل اخلاقي من المصداقية والشفافية وضمان خصوصية المجتمع والأفراد . وللحديث بقية .
خالص تحياتي وتقديري
د / أشرف عطيه