مقال بقلم : د. مختار القاضي
مراجعة : جيهان الجارحي
كان نبيُ الله سُليمان – عليه السلام – واحدا من أعظم أنبياء الله ، آتاه الله تعالى ما لم يؤتِ أحدا من الخلق قبله ، فكان يتحكم بالجن والشياطين ويُسيّر الرياح لخدمته ، ويفهم لغة الحيوان والطير والحشرات ويُسخّرهم لخدمته ، وكان لديه جيش جرّار من الحيوانات والجن والشياطين .
كان النبي سُليمان يتفقد الجيش ذات يوم ، ولكنه لم يجد الهدهد ، ولم يكن أحد ليجرؤ على الغياب عن الجيش في حضرة سيدنا سليمان ؛ خوفا من عقابه ، فغضب سليمان من تصرف الهدهد وقرر عقابه ، إلا إذا آتاه بعذرٍ طارئ . عاد الهدهد فطلبه سيدنا سليمان ، فدخل عليه فسأله عن سبب تأخيره ، فرد الهدهد قائلا : “يانبيّ الله ، لقد أطلعني الله على ما لم يُطلعك عليه ، فقد كنت في مملكة تُدعى سبأ ، ووجدت أن ملكةً تحكمهم من دون الرجال ، ووجدتهم يعبدون الشمس من دون الله تعالى ، فمكثتُ عندهم حتى آتيك بالخبر اليقين ، وهذا سبب تأخيري” .
كانت مملكة سبأ في اليمن ، وكان ملكُهم يُدعى الهدهاد بن شرحبيل ، الذي لم يُرزق إلا بطفلة واحدة أسماها بلقيس ، وحينما تُوفي الملك أورث الحكم لابنته . عندما تولت بلقيس مملكة سبأ استنكر قومها هذا الأمر ، وسمع أعداء مملكة سبأ بذلك ، وازدادت أطماعهم في المملكة ، وعلمت بلقيس بذلك ، كما علمت أن هناك ملكا يُدعى عمرو بن الأبرهة يخطط للإطاحة بها ، والاستيلاء على المملكة . تنكرت الملكة في زي رجل ، وخرجت من سبأ دون أن يعلم أحد بذلك ، ثم ذهبت إلى عمرو بن الأبرهة في كامل زينتها وجمالها ، وظلت تسقيه الخمر حتى غاب عن الوعي وقتلته .
علم قوم سبأ بقوة الملكة ، بعد أن أثبتت جدارتها وشدة انتقامها ، وحسن تدبيرها وتخطيطها ، فخضعوا لها . سمع سيدنا سُليمان ماسمعه من الهدهد ، فأرسل رسالة إلى الملكة بلقيس ، يدعوها فيها إلى الإسلام ، وقال فيها : “إياكم أن تعصوني وأسلِموا تسلَموا” .
كانت بلقيس شديدة الذكاء ، فاستشارت كبار قومها حتى لاتتخذ قرارا فرديا ، ووافقوا على إرسال الهدايا لسيدنا سليمان لتعرف مُراده ، فإن كان مُراده الكنوز فقط أخذها ، وإن كان يريد أن تُسلم المملكة فسيرفض الكنوز .
وصلت الهدايا إلى سيدنا سليمان وفتح الصناديق واطّلع على ما فيها ، فغضب غضبا شديدا ، فقد أعطاه الله أكثر منها بكثير ، فأمر بتجهيز جيش جرّار لمحاربة مملكة سبأ .
علمت بلقيس بذلك ، فخافت على نفسها وشعبها ، وذهبت لمقابلة سيدنا سليمان ، وعندما علم سيدنا سليمان بذلك أمر بإحضار عرشها ، فأحضره أحد الحكماء في لمح البصر ، وتم وضع العرش بجوار قصر النبي سُليمان – عليه السلام – ليفاجئ الملكة بلقيس بقدراته الخارقة . أتت بلقيس إلى قصر سيدنا سُليمان ، وعندما رأت العرش سألها النبي سُليمان : أهذا عرشُك ؟ فقالت كأنه هو .