القصة الحقيقية لهيكل سُليمان عليه السلام

مقال بقلم : د. مختار القاضي

مراجعة : جيهان الجارحي

من أهم وأخطر الأسرار في الكون ، هيكل سليمان الذي اغتُصبت بسببه بلاد ، وبُنيت عليه المستعمرات ، وقامت بسببه الحروب بحُجة وجوده ، والحقيقة أنه ضائع إلى يومنا هذا . يُقال إنه مُغطى بأسره بالذهب والأحجار الكريمة ، وكأنه أسطورة خرافية ، ومع الوقت ازدادت التساؤلات عن الهيكل وعن الشخصية التي شيدته ، ويحاول العلماء كشف لغز وحقيقة وجوده .
في الواقع ، لا يوجد أي نص تاريخي مُوثّق يتحدث عن الهيكل بشكل واضح وصريح ، سوى بعض النصوص اليهودية التي تم تناقلها عبر الأجيال ؛ لتتحدث عن عظمته وفخامته ومدى قدسيته .

 

ذُكر هيكل سليمان في النصوص الإسلامية ، ولكن بقصة مختلفة عما ذُكر في النصوص اليهودية ، وهو يعرف عند اليهود باسم “بيت همقدش” ، وهو المعبد اليهودي الأول في القدس الذي بناه سيدنا سليمان عليه السلام ، وهو من الأماكن المقدسة التي تعرضت للعبث والتخريب على مر العصور . كان بناء الهيكل صغيرا وله فناء كبير ، وكان على شكل مستطيل يتألف من ثلاث غرف متساوية العرض ، بحيث تم تخصيص الغرفة الرئيسية للعبادة ، وتسمى بالغرفة المقدسة أو قدس الأقداس ، وكان يُسمح لرئيس الكهنة فقط بدخول هذه الغرفة ، ولا توجد مخطوطات توضح تفاصيل بناء الهيكل .

بحسب المصادر اليهودية ، فإن الهيكل بُني أسفل قرية مورية بالقدس المحتلة ، التي يطلق عليها اليهود أورشليم ، ويُدعى اليوم جبل الهيكل ، وهو في فلسطين المحتلة ، بالقرب من مسجد قبة الصخرة أو أسفله ، ويعتقدون أن كل ماتبقى من هيكل سليمان هو حائط واحد أطلقوا عليه اسم حائط المَبكَى ، وأصبحوا يقدسونه ويحجون إليه ، وهو جزء من مسجد قبة الصخرة المشرفة والمسجد الأقصى .
بنى سُليمان – عليه السلام – الهيكل ليكون مقرا لتابوت العهد الذي يضم لوحي موسى عليه السلام ، اللذيْن حُفرت عليهما الوصايا العشر . كان اليهود يضعون لوحي الوصايا قبل هيكل سليمان في تابوت العهد داخل خيمة ، عُرفت باسم خيمة الاجتماع ، وكانت غير ثابتة ، وتنتقل مع اليهود أينما ذهبوا .

لم تكن فكرة بناء الهيكل هي فكرة سيدنا سليمان عليه السلام ، وإنما كانت فكرة والده النبي داوُد عليه السلام ، ولكنه لم يتمكن من تحقيق رغبته ببناء الهيكل العظيم لوضع تابوت العهد فيه ، ونفذ الفكرة النبي سليمان . اختلفت فترة بناء الهيكل من رواية لأخرى ، ما بين ٧ سنوات إلى ١٦ سنة ، وشارك في بنائه مئات الألوف من العمال المهرة ، الذين أتوا من مدينة صور بجنوب لبنان في عهد الملك الفينيقي “حيرام” ، وتحدثت المراجع اليهودية عن البذخ والفخامة اللذيْن تميزت بهما أبنية الهيكل ، حيث تفوّق على أي بناء آخر ينتمي لتلك الحقبة الزمنية . شُيِّدت الجدران من حجارة نُقلت من محاجر مقالع سليمان قرب باب العمود في فلسطين المحتلة ، وكان الخشب المُستخدم في بناء السطح والأبواب من الأَرز ، وخشب الأرضيات من السرو ، والكل مُغطى بالذهب  .

 

تم بناء الهيكل وهدمه ٣ مرات ، فقد هُدم في المرة الأولى سنة ٥٨٧ ق . م ، على يد الملك نبوخز نصر ملك بابل ، كما هُدم في المرة الثانية خلال حكم المقدونيين ، على يد الملك انتيخوس الرابع عام ١٧٠ قبل الميلاد ، أما في المرة الثالثة ، فقد هُدم الهيكل على يد الرومان عام ٧٠ ميلادية

والغريب ، هو أنه رغم شهرته الكبيرة ، أي الهيكل ، فلا يوجد دليل تاريخي واحد يدل على أنه بُني في فلسطين سوى الكتابات اليهودية فقط ، مما دفع الكثير من علماء الآثار والمؤرخين إلى القول بأن قصة هيكل سليمان ماهي إلا قصة ثقافية تناقلتها الأجيال وتمسكت بها ، فعلى حد تعبير توماس طمسون عالم الآثار الأمريكي ، أنه لايوجد أي دليل على بناء الهيكل في القدس المحتلة في فترة حكم الملك سليمان .

أما الأحاديث الإسلامية ، فإنها تؤكد أن الهيكل لم يُبنَ أسفل المسجد الأقصى ، ففي الحديث الشريف الذي رواه البخاري عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال : “قلت يارسول الله أي مسجد وُضع في الأرض أولا ؟ قال المسجد الحرام ، قلت : ثم أي ؟ قال المسجد الأقصى ، قلت : كم كان بينهما ؟ قال أربعون سنة ، ثم أينما أدركتك الصلاة فصَلِّ فإن الفضل فيه” .
ذكر الدين الإسلامي كذلك ، أن مَن بنوا المسجد الحرام هم الذين بنوا المسجد الأقصى ، وهم الملائكة بأمر من الله تعالى ، أي أنهما وُجدا قبل عهد الملك سليمان ، وقد قام الملك سليمان فيما بعد بترميم المسجد الأقصى بعد تعرضه للهدم والتخريب نتيجة الحروب والنزاعات في تلك الفترة ، بما يعني أنه لا يوجد هيكل عظيم أسفل المسجد الأقصى .
يشير الحديث الشريف إلى أن سليمان – عليه السلام – لم يبنِ هيكلا ، ولكن بنى مسجدا ، فعندما دعا عليه السلام الملكة بلقيس ملكة سبأ ، دعاها إلى الدين الإسلامي الحنيف ، وكان بناء المسجد ضمن عدة مساجد بناها نبي الله سليمان ، وبالتالي لا يوجد دليل على وجود الهيكل بفلسطين .

 

الجدير بالذكر ، أن علماء الآثار في سوريا أعلنوا منذ وقت قريب ، عن العثور على هيكل سليمان ، وقد أكد جونسون عالم الآثار أن الآثار التي وُجدت في بلدة عين دارا السورية تشبه هيكل سليمان الشهير ، في الحجم والهندسة والتصميم ، هذا إلى جانب وجود تماثيل لملائكة ولحيوانات تشبه هيكل سليمان .
لقد اعتبر العلماء تاريخ بناء معبد عين دارا بسوريا دليلا على صحة وجود الهيكل الذي شُيد في عام ١٣٠٠ قبل الميلاد ، أي قبل بناء هيكل سليمان الذي تم الاستعانة في بنائه بعمال فينيقيين ، أخذوا تصميمه واستعانوا به في بناء معابدهم ، ويُقال إن تصميم الهيكل كان معروفا قبل إنشائه ، حيث تم بناؤه تقليدا لما قبله .

Related Posts

الأربعاء… ليلة أدبية تفاعلية بنكهة “إسبانية .. نرويجية… تشيكية” في قلب القاهرة

كتب ابراهيم احمد ينظم معهد ثربانتس بالقاهرة (المركز الثقافي الإسباني)، أمسية أدبية تفاعلية مجانية للترويج لأعمال الأدب الأوروبي المعاصر. وذلك في تمام السابعة مساء الأربعاء 20 نوفمبر الجاري، بمقر أكسس…

وفد مصري يشارك في حوار معمق حول التعليم العابر للحدود بدعوة من المجلس الثقافي البريطاني

كتب ابراهيم احمد شارك وفد من مصر مؤخراً في فعالية الحوار المعمق حول التعليم العابر للحدود، التي نظمها المجلس الثقافي البريطاني في مانشستر، المملكة المتحدة، في الفترة من 12 إلى…

You Missed

تتراباك تنال جائزة ” الشركة الأكثر استدامة لهذا العقد” في معرض جلفود للتصنيع 2024

تتراباك تنال جائزة ” الشركة الأكثر استدامة لهذا العقد” في معرض جلفود للتصنيع 2024

“إكس فاكتور دبي” يعزز حضوره على تلفزيون دبي ويجذب انتباه الرعاة

“إكس فاكتور دبي” يعزز حضوره على تلفزيون دبي ويجذب انتباه الرعاة

OPPO تُطلق سلسلة OPPO Find X8 مع نظام ColorOS 15 عالميًا

OPPO تُطلق سلسلة OPPO Find X8 مع نظام ColorOS 15 عالميًا

الحاج محمدي كمال ونجله الكاتب الصحفي محمود يهنئان كابتن محمد سيد بفوزه بعضوية مجلس اتحاد الجودو

الحاج محمدي كمال ونجله الكاتب الصحفي محمود يهنئان كابتن محمد سيد بفوزه بعضوية مجلس اتحاد الجودو

الإعلامية عائشة الرشيد : الثالوث النووي الأمريكي والصيني

الإعلامية عائشة الرشيد : الثالوث النووي الأمريكي والصيني

الإعلامية عائشة الرشيد : الدين العام الأمريكي يصل لمستوى غير مسبوق

الإعلامية عائشة الرشيد : الدين العام الأمريكي يصل لمستوى غير مسبوق