كتب : خبير ترميم الاثار والمنشآت التاريخيه الاستشارى المهندس فاروق شرف
حضارة .. يامصر
* هل تعرف شيئا عن هيئة الكتاتيب المصرية والتى هى مصنع العظماء وقصة حضارة.
عُرِفَت الكتاتيب بأنها شكل من أشكال التعليم الأَوَلِي الذي انتشر في الأقطار الإسلامية والعربية بشكلٍ عام ومصر بشكلٍ خاص، فكانت هي مراكز تعليم النشء أساسيات اللغة العربية والقراءة والكتابة والنحو والحساب، فضلاً عن الدراسات الدينية مثل تحفيظ القرآن الكريم كاملاً، والاجتماعية مثل تعريف النشء بالقيم الأخلاقية والآداب الاجتماعية المتبعة في بلده.
وبالنظر إلى تاريخ الكتاتيب في مصر نجد أنها قديمة للغاية، فقد عُرِفَت في العصور الفرعونية بـ”مدارس المعابد”، وهي مدارس متصلة بالمعابد الفرعونية كانت تمنح لطلابها شهادة “كاتب تلقي المحبرة”، واستكملت الكتاتيب مشوارها في العصر المسيحي، فكانت تقوم بتعليم طلابها بعضاً من الكتاب المقدس والمزامير، وكانت الانطلاقة الكبرى للكتاتيب المصرية بعد انتشار الإسلام في مصر وبعدها في الربوع المصرية.
وللكتاتيب دور تاريخي ووطني أيضاً
فكما كان للكتاتيب الدور المحوري في جعل نسبة الأمية بين الشعوب العربية والإسلامية هي الأقل مقارنةً بسائر الأمم خلال العصور الوسطى، كانت الكتاتيب المصرية أهم سلاح لمحاربة الأمية في مصر خاصةً في الريف.
فرغم أنها لا تمنح شهادات أو مؤهلات إلا أنها وضعت في الأطفال المصريين بذور المعرفة الصحيحة باللغة العربية وقواعدها، فكان حتى من لا يستطيع التفوق في الكُتَّاب ويتخلف عن أقرانه يتخرج منه لديه المبادىء الأساسية التي تمكنه من القراءة والكتابة .. أي يستطيع -كما يُعَبِر العامة في مصر- أن “يَفُك الخط”.
وكانت الكتاتيب المصرية دائماً مصنع العظماء من رجال الدين والأدب والشعر وكبار المفكرين والعلماء، لذا اعتمد محمد علي باشا -والي مصر- على خريجي الكتاتيب في تأسيس المعاهد الأزهرية وحقق من خلالهم نهضة تعليمية شاملة، ومن أبرز خريجي الكتاتيب المصرية المفكر والمترجم رفاعة الطهطاوي والأديب طه حسين.
أيضاً يرجع للكتاتيب المصرية الفضل في الحفاظ على اللغة العربية في مصر إبان فترة الاحتلال البريطاني (1882- 1954)، فكانت الكتاتيب حافظة لهوية مصر العربية وسبباً لاعتزاز المصريين -حتى يومنا هذا- بعدم تأثر لغتهم العربية بلغة المحتل الأجنبي.
هيئة الكتاتيب المصرية
كانت الكتاتيب في مصر تقام في مباني متصلة بالمساجد أو مباني مستقلة أو في بيوت معلمي الكتاتيب أنفسهم أو أمامها، حيث كان المعلم يجلس على كرسي أو مصطبة مرتفعة عن الأرض، أما التلاميذ فكانوا يجلسون أمامه على الأرض المفروشة بالحصير، وهذا ما ساد في القرى المصرية بالأخص.
أما العاصمة القاهرة فانتشرت فيها بشكلٍ أكبر الكتاتيب التي تعلو السُبل، مثل سبيل وكُتَّاب “عبد الرحمن كتخدا”، الذي بُني عام 1744 في شارع المعز لدين الله الفاطمي لمصممه الأمير عبد الرحمن كتخدا عبقري الهندسة المعمارية في عصره، وهو عبارة عن سبيل يشرب منه المارة يعلوه كُتَّاب يتلقى فيه الطلاب العلم.
وسبيل وكُتَّاب “نفيسة البيضاء” القائم بمنطقة السُكَّرية العتيقة بالقاهرة، ويرجع تاريخه إلى عام 1796، وصاحبته هي السيدة نفيسة البيضاء التي عُدَّت واحدة من أغنى نساء عصرها، كما عُرِفت بعلمها وثقافتها وحبها لعمل الخير.
ولكن، كيف كان يعمل الكُتَّاب؟
كان اليوم الدراسي في الكُتَّاب يبدأ مع شروق الشمس وينتهي بصلاة العصر، وكان أولياء الأمور يُحضِرون أطفالهم إلى الكُتَّاب ابتداءً من عمر ثلاث سنوات، أما أدوات التلاميذ فتلخصت في الأقلام والألواح الخشبية التي استخدموها في الكتابة عليها، ودوام الكُتَّاب كان خمسة أيام فقط في الأسبوع ويعطل في الأعياد وأيام البرد الشديد والعواصف والمطر الغزير.
ويُذكر أن معلمي الكتاتيب كانوا يُنادَون بـ”المشايخ” أو “المؤدِبين” وكانوا يتقاضون أجراً قليلًا من أهالي التلاميذ لقاء تدريسهم لأطفالهم، يُدفع لهم أسبوعياً أو شهرياً، أو يتلقون أجورهم من حصاد زراعات أولياء أمور التلاميذ، والمُثير أن من هؤلاء المشايخ من كانوا أصحاب مواهب أدبية فذة كالشاعر “أحمد شفيق كامل” الذي غنى من أشعاره الكثير من أشهر مطربي القرن العشرين مثل كوكب الشرق “أم كلثوم” التي غنت عدداً من أشعاره مثل أغنيتيها “أمل حياتي” و”أنت عمري”، كذلك غنى له “عبد الحليم حافظ” أغنيته الوطنية الشهيرة “خلي السلاح صاحي”، وغيرهما.
ورغم انحسار عدد الكتاتيب في وقتنا الحالي مقارنةً بأعداد دور الحضانة الحديثة إلا أنَّ أهميتها الكبيرة تجعل منها قيمة لا تبلى حتى مع مرور الزمن، لذا فهي تستحق المزيد من الدعم والاهتمام من الحكومات والشعوب العربية على حدٍ سواء.
فيكفي أنها تحفر في وجدان النشء العربي انتماءه للغته العربية وإتقانه لها في أهم مراحله العمرية، وكما تقول الدكتورة سهير السكري -الخبيرة الدولية في علوم اللغويات وتنمية ذكاء الأطفال- تستطيع الكتاتيب أن ترفع الحصيلة اللغوية للطفل إلى أكثر من خمسين ألف كلمة قبل بلوغه سن السبع سنوات! مما يساهم في تنمية ذكائه وتعزيز قدراته، وهذا ما لم تستطع دور الحضانة الحديثة تحقيقه.
فلا شك أنه أصبح من الملحوظ جداً مدى ركاكة اللغة العربية وكثرة الأخطاء الإملائية حتى عند بعض خريجي الجامعات من العرب، فإذا لم تكن عودة الكتاتيب هي الحل الوحيد للقضاء على هذه الظاهرة، فهي بالتأكيد أهم الوسائل المُثلى التي نستطيع من خلالها حماية الأجيال القادمة من طمس هويتهم وثقافتهم.
نقل وإعداد لحق المعرفة بلغتنا العربية الأصيلة وبناء مجتمع قوى يرفع المستوى الحياتى.
Great article! We will be linking to this great post on our site. Keep up the good writing. Ginnifer Irving Kryska