مقال بقلم : د. مختار القاضي
مراجعة : جيهان الجارحي
قال جورچ تينت ، مدير الاستخبارات الأمريكية الأسبق ، إن أمريكا قد تلقت عدة تحذيرات مسبقة من أجهزة مخابرات ، منها المخابرات المصرية قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر ، وذلك أمام لجنة التحقيق بنيويورك عام ٢٠٠١ م ، ولكن أمريكا لم تأخذها على محمل الجد . أنشئ جهاز المخابرات العامة المصرية بأوامر مباشرة من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر سنة ١٩٥٤ م ، برئاسة زكريا محيي الدين ؛ وذلك لحماية أمن مصر القومي ، ثم تولى صلاح نصر قيادة الجهاز سنة ١٩٥٧ م ، حيث أصبح جهاز المخابرات العامة من أقوى أذرع مصر داخليا وخارجيا .
وعلى الرغم من الاتهامات الموجهة إلى صلاح نصر بتصفية المعارضين ، واستخدام القبضة الحديدية في المجتمع المصري ، إلا أن إنجازات عديدة تمت في عهده تحسب لمصر ، حيث أصبح الجهاز ضمن أقوى أجهزة المخابرات في العالم ، وخصوصا بعد أن دخل في منافسة شرسة مع الموساد الإسرائيلي الذي يعتبر من أقوى أجهزة المخابرات دوليا . تمكن جهاز المخابرات العامة المصرية من التفوق على الموساد في عدة محطات هامة ، وسجل تاريخ الصراع بين الطرفين نجاحا لجهاز المخابرات العامة المصري خلال الحرب المستعرة بينهما . ومن أبرز هذه الضربات زرع العميل رفعت الجمال الشهير برأفت الهجان وغيره من العملاء داخل الدوائر الإسرائيلية .
سعت إسرائيل إلى زرع عملائها في الدوائر المصرية ، وكانت حرب الجواسيس بين الجهازين حتى المواجهات المسلحة بين الطرفين ، وقد شهدت تفوقا استخباراتيا مصريا ، ففي نكسة ١٩٦٧ م كانت المخابرات المصرية قد وجهت تحذيرا قبل الهجوم الإسرائيلي على سيناء ، وقيل إن المشير عبد الحكيم عامر لم يأخذ هذه التحذيرات على محمل الجد . أما خلال حرب الاستنزاف التي استمرت نحو ٦ سنوات ، دارت معركة بين المخابرات المصرية والموساد الإسرائيلي ، تلقى فيها الموساد الإسرائيلي عدة ضربات قوية من المخابرات العامة المصرية .
من ناحية أخرى ، لعبت المخابرات المصرية دورا بارزا قبل حرب أكتوبر ١٩٧٣ م مهد لتحقيق النصر ، بل والحفاظ على هذا النصر ، حتى بعد توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل سنة ١٩٧٩ م التي أنهت الصراع بين الطرفين ، وأنهت جزئيا الصراع المخابراتي بين البلدين ، فلم يدخل جهاز المخابرات المصرية أي مجال للراحة أو الكمون ، وبالتالي لم تتوقف المنافسة بين الجهازين ، المصري والإسرائيلي . عقب اغتيال الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات ، دخلت مصر في حرب جديدة ضد قوى الإرهاب والتطرف ، ولم يكن لأية دولة من دول العالم أدنى خبرة فيها ، حتى أن دولا كبرى تلقت ضربات موجعة من الإرهابيين ، وكان اغتيال الرئيس المصري الراحل أنور السادات أول ضربة للمخابرات المصرية .
شهدت حقبة التسعينيات استمرار الضربات الإرهابية على مواقع مصرية ، وسقط الكثير من الضحايا المصريين والسياح الأجانب . في عام ١٩٩٣ م تولى اللواء الراحل عمر سليمان قيادة المخابرات العامة المصرية ، وأصبح ضمن أقوى خمسة رؤساء للمخابرات في منطقة الشرق الأوسط ، وذاع صيته في العالم كله ، وانتقل جهاز المخابرات المصرية إلى مرحلة جديدة ، كما اكتسب سمعة بين أقوى أجهزة المخابرات الدولية التي سعت للتعاون مع أجهزة المخابرات المصرية . تمكنت المخابرات المصرية بالتعاون مع أجهزة الأمن الأخرى من تقليص حجم الضربات الإرهابية على الأراضي المصرية ، ولم تتكرر حادثة اغتيال السادات ، حيث تمكنت من حماية الرئيس الراحل محمد حسني مبارك من عدة محاولات اغتيال ، بل لقد وصل الأمر إلى إقناع بعض المتشددين من إجراء مراجعات للعديد من أفكارهم ، كما تمكنت المخابرات المصرية من التغلغل داخل صفوفهم والحد من خطرهم .
لم يكن النجاح داخليا فقط ، بل أصبح نجاح المخابرات العامة المصرية عالميا كذلك ، حيث تمكنت من توجيه تحذيرات لعدد من دول العالم من هجمات إرهابية على أراضيها ، مما ساعد على وقف هذه الهجمات ، وتجنيب الكثير من الدول خسائر جسيمة في الأرواح والممتلكات . حذرت المخابرات المصرية أيضا من هجمات ضد الولايات المتحدة قبل الحادي عشر من سبتمبر بثلاث سنوات ، كما تمكنت من تحديد مكان أيمن الظواهري ، ولكن الولايات المتحدة فشلت في إلقاء القبض عليه ، بينما نجحت التحذيرات التي قدمتها المخابرات المصرية لإيطاليا سنة ٢٠٠١ م بتعرض ثمانية رؤساء غربيين لمحاولة اغتيال ، الأمر الذي عزز من مكانة جهاز المخابرات المصري ، ووضعه ضمن مصاف أقوى أجهزة المخابرات في العالم .