[١٥/٧ ١:٢٥ م] محمد طارق اديتور: صباح الخير
كتب إبراهيم أحمد
تشهد بنغلاديش التي تعتبر من الدول ذات الكثافة السكاني العالية، ارتفاعاً متواصلاً في عدد المدخنين، توازيه زيادة في عوامل الخطر المرتبطة بالتدخين، بالنظر للتحديات الصحية والأمراض غير المعدية التي يتسبب بها، لا سيما مرض السرطان، الذي يقف وراء نسبة كبيرة من معدلات الوفيات المفزعة.
هذا الواقع، وبحسب اختصاصي الأمراض الصدرية، واستشاري طب الجهاز التنفسي في مستشفى إيفركير في مدينة شيتاغونغ، التي تعد ثاني أكبر مدينة في بنغلاديش، الطبيب والجراح فازليي كيبيرا تشاودوري، إنما يتطلب نهجاً شاملاً وقائماً على العلم لمكافحة التبغ والسيطرة على الأضرار الصحية والوفيات الناتجة عن التدخين.
وفي هذا الإطار، فإن الإحصاءات والتقارير تشير إلى مجموعة من الحقائق القاتمة وغير المبشّرة؛ إذ يموت نحو 126 ألف شخص سنوياً بسبب الأمراض المرتبطة بالتبغ في بنغلاديش، وهو ما يمثل ما نسبته 13.5% من إجمالي الوفيات في البلاد. ليس هذا فحسب، بل أن العبء الاقتصادي ينذر بنفس القدر من الخطر؛ حيث أن تكاليف الرعاية الصحية المتعلقة بالأمراض المرتبطة بالتبغ تبلغ نحو 30,570 تاكا بنغلاديشية سنوياً، التي تعتبر العملة الرسمية في بنغلاديش، وهو ما يمثل بدوره ما نسبته 1.4% من إجمالي الناتج المحلي.
وعلاوةً على ذلك، فإن أكثر من 7 ملايين بالغ في بنغلاديش يعانون من الأمراض المرتبطة بالتبغ، فيما يعاني 61 ألف طفل من تبعات التدخين السلبي، وذلك وفقاً لنتائج البحث الذي أجرته جمعية السرطان في بنغلاديش في العام 2019، والتي كان يجدر بها أن تكون بمثابة دعوة صريحة لجميع الأطراف المعنية للتحرك لمعالجة هذا الوضع، خاصة في ظل ازدياد استهلاك التبغ بشكل كبير، والذي يرفع معدلات الإصابة بالأمراض غير المعدية، بما في ذلك أمراض القلب والسكتة الدماغية السرطان.
وعند دراسة الحال، فإن المتمعن فيه، يدرك أهمية وضع استراتيجية دقيقة تتجاوز الاستراتيجية التقليدية للتصدي لتبعات تعقيدات الإدمان الذي قد يسببه استهلاك التبغ.
في هذا السياق، فإن الدعوة الأخيرة للحد من مخاطر التبغ بجعل استراتيجية “الحد من المخاطر” محوراً مركزياً ضمن اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية لمكافحة التبغ، بجانب تدابير الحد من العرض والطلب، أحدثت تحولاً كبيراً في المعركة الراهنة لتقليل معدلات الوفيات المرتبطة بالتبغ، كما جعلت تقديم خيارات وبدائل أفضل من التدخين التقليدي للمستهلكين، تساعدهم على الإقلاع عن استهلاك منتجات التبغ التقليدية. وكانت هذه الدعوة قد صدرت ضمن تقرير حديث نشر على صفحات مجلة “لانست” الطبية الرائدة عالمياً، وأعده كل من مسؤولي منظمة الصحة العالمية السابقين، روبرت بيجلهول، وروث بونيتا، حول فعالية المنتجات البديلة في تحقيق نتائج إيجابية في مكافحة التدخين.
في السويد، إلى جانب عدة دول أخرى، أسفرت استراتيجية “الحد من المخاطر” باستخدام منتجات التبغ البديلة، عن تراجع قياسي في أعداد المدخنين، بفضل قدرة المدخنين البالغين فيها على الوصول لبدائل قد تكون منخفضة المخاطر عن السجائر التقليدية. أما النرويج، والمملكة المتحدة، ونيوزيلندا، واليابان، فقد شهدت كل دولة منها انخفاضاً غير مسبوق في معدلات التدخين اليومية؛ حيث توافرت بدائل أكثر أماناً من التبغ والسجائر التقليدية فيها.
لكن، وبالرغم من هذه النتائج الإيجابية، إلا أنه يظل من الضروري التمييز بين أنواع منتجات التدخين البديلة المتنوعة على مستوى المشرعين والمستهلكين على حد سواء، وذلك للتمكن من سن السياسات التشريعية والتنظيمية والرقابية الملائمة، علماً بأن الخلط بين هذه المنتجات يعتبر من أسباب البطء الحاصل في إدخال آليات مراقبة مناسبة وفعالة.
وعلى صعيد متصل، فإن منتجات التبغ لا تتشابه في خصائصها أو سماتها أو تبعات استهلاكها، حيث تصنف السجائر التقليدية على أنها الأكثر سمية بسبب اعتمادها على معادلة الاحتراق التي تنتج العديد من المركبات الكيميائية الضارة التي تسبب العديد من الأمراض المرتبطة بالتدخين، فيما تنتمي المنتجات التي تعمل على تسخين التبغ بدلاً عن حرقه، والسجائر الإلكترونية إلى مجموعة المنتجات البديلة الخالية من الدخان مع مستويات أقل من المواد الضارة بالمقارنة مع المنتجات التقليدية. الفارق الأكبر بين هاتين الفئتين، يتمحور حول مركبات كل منها؛ إذ تحتوي السجائر الإلكترونية على سائل محتوٍ على النيكوتين، بينما منتجات التبغ المسخن تحتوي على تبغ مع مستويات أقل من المواد الضارة في تركيبها وما يتولد عنها بسبب إقصاء عملية الحرق.
وفيما ورد عن منظمة الصحة العالمية، فإن منتجات السجائر الإلكترونية ومنتجات التبغ المسخن، تحتوي على النيكوتين الذي ثبتت عدم مسؤوليته عن الأمراض المرتبطة بالتدخين وإن كان قد يؤدي للإدمان، لكنها تختلف عن بعضها في التركيبة؛ حيث أن منتجات التبغ المسخن تتألف من لفائف تبغ قصيرة الطول وتنتج هباء جوياً محتوٍ على النيكوتين بنسبة أقل من السجائر التقليدية، أما السجائر الإلكترونية فتتكون من محاليل الزيوت العطرية مع حوالي 15500 نكهة مستخدمة، الكثير منها سامة، وتسفر عن آثار صحية، كما يمكن أن تسبب حريقاً وانفجاراً، فضلاً عن إمكانية أن تختلط بمواد أخرى ضمن المحاليل. وعلى الرغم من أنها ليست خالية من المخاطر تماماً، إلا أن الأبحاث العلمية المكثفة تشير إلى أنها منخفضة المخاطر بنسبة 90% عن منتجات التبغ التقليدية.
وبالرغم من الفروق بين فئتي المنتجات البديلة والسجائر التقليدية، إلا أنه لا يزال من الضروري مكافحة التبغ بين أوساط الشباب، لذلك، فإن الواجب التزام الحذر والتقيد باللوائح فيما يتعلق بالمنتجات بالبديلة، الأمر الذي يعد بالغ الأهمية، والذي يستدعي أيضاً ضمان عدم تسويق أي منتجات لغير المدخنين، خاصة الشباب، مع الالتزام بتطبيق تدابير السلامة الصارمة، وسياسات مكافحة التبغ على أن تظل متسمة بالشمولية.
ومن خلال الاعتماد على نهج يقم على العلم، ويتبنى سياسة الحد من المخاطر المبتكرة، إلى جانب الالتزام بالتدابير التقليدية لمكافحة التبغ، فإنه يمكن لبنغلاديش الانضمام إلى الكفاح العالمي ضد الأمراض غير السارية المرتبطة بالتدخين والسرطان. هذا ينطوي على تقييم دقيق للأدلة المتعلقة بالبدائل التي قد تكون منخفضة المخاطر كالسجائر الإلكترونية منتجات التبغ المسخن، وإقرار لوائح مناسبة، مع إعطاء الأولوية للصحة العامة قبل أي اعتبار. في هذه الظروف إن تم العمل على تكييفها، فقط فإنه يمكن لبنغلاديش حماية المواطنين المدخنين بشكل فعال من العواقب الوخيمة لاستهلاك التبغ عبر السجائر التقليدية.
عملياً، فإنه لا يمكن وصف الأهمية البالغة والحاجة الملحة لاتباع نهج قائم على العلم في مجال السياسات، ما يجعل من بقاء صانعي السياسات على اطلاع دائم ضرورة قصوى، مع وجوب تحديث الاستراتيجيات باستمرار؛ وذلك لسد الفجوات المعرفية الحالية. وبناءً على نتائج إحصائيات العام 2019، والتي كشفت عن ما بلغ عدده 4.7 مليون حالة وفاة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بسبب استهلاك التبغ، فإن اتخاذ إجراءات فورية ومتضافرة لا بد منه.
وفي حين أحرزت بعض الدول تقدماً جديراً بالثناء، فإن العديد من الدول الأخرى لا تزال تواجه التحديات بالرغم من انضمامها إلى منظمة الصحة العالمية، مثل تايلند، والهند، اللتين يكمن جوهر المشكلة فيهما في إدراك وفهم التحدي الحقيقي المتمثل باستهلاك السجائر التقليدية، وهو ما يستلزم التركيز على تغيير هذا السلوك، بدلاً عن اتباع النهج الشامل لجميع أشكال استهلاك التبغ، كما يفرض على صناع السياسات توخي الحذر في هذا الصدد، حتى لا يتم المساهمة عن غير قصد في زيادة وتصاعد آفة التدخين.
ويتحدث الطبيب والجراح تشاودوري قائلاً: “بصفتنا قادة في السياسة الصحية، يجب أن ندعو إلى اتباع نهج قائم على العلم لا اتباع سياسة تقليدية بالية. إن التحالف العالمي لإنهاء استهلاك السجائر القابلة للاحتراق بحلول عام 2035 هو هدف قابل للتحقيق، شريطة أن يظهر صانعو السياسات الشجاعة لتبني حلول مبتكرة، في الوقت الذي يظل فيه الإقلاع الفوري عن التدخين للمدخنين وعدم الانخراط بالتدخين من الأساس لغير المدخنين هو الخيار الأفضل على الإطلاق.”
أما في حال عدم الرغبة بالإقلاع عن التدخين أو في حال لم يستطع المدخن ذلك، فإن المنتجات البديلة التي قد تكون منخفضة المخاطر، يمكن لها أن تتيح مدخلاً نحو حياة أكثر صحة في بنغلاديش.