بقلم : د. مختار القاضي
مراجعة : جيهان الجارحي
إنها منظومة تتحرك في كل مكان ، وقادرة على الحصول على أدق المعلومات ؛ لأنها أقوى تحالف استخباراتي في العالم ، وقد ظل هذا التحالف سرا لنحو نصف قرن من الزمان ، بعد أن تجسس على ملايين البشر .
بدأت منظومة آشلون الاستخباراتية بخمس دول ، ثم وصل بعدها إلى أربع عشرة دولة تتحدث جميعها اللغة الإنجليزية ، وتقود هذا التحالف بريطانيا ، وتحركه الولايات المتحدة الأمريكية ، وأطلق عليه اسم “العيون الخمس” ، وكذلك “وحش المخابرات العالمي” .
تبدأ قصة آشلون خلال الحرب العالمية الثانية ، بعد انضمام الولايات المتحدة لدول الحلفاء لتواجه دول المحور بقيادة ألمانيا ، وقد نشأت علاقة قوية بين المخابرات الأمريكية ونظيرتها الإنجليزية ، وكان هدفها الأساس هو اختراق أجهزة الإرسال الألمانية ، وتم توقيع الطرفين على ميثاق الأطلسي عام 1941 م للعمل معا في الحرب .
بعد ذلك بعامين ، تم التوقع من جديد على اتفاق للتعاون المخابراتي تحت عنوان “الاتفاق الأمريكي البريطاني” .
حقق هذا الاتفاق نجاحا كبيرا ، حيث تمكن من اختراق أجهزة الإرسال الألمانية وسُمي حينها يو . كي . يو . إس . إيه .
في عام 1946 م ، وقع الطرفان اتفاقا سريا جديدا كان أعمق وأدق كثيرا . بعد عدة سنوات انضمت بعض الدول لذلك الاتفاق ، وهي كندا والنرويج والدنمارك والمانيا الغربية وإستراليا ونيوزيلندا ، وقد اتفقوا على أن يقود هذا الاتفاق خمس دول ، هي بريطانيا وأمريكا وكندا وإستراليا ونيوزيلندا ، تحت اسم “شبكة العيون الخمس” ، وأُطلق على بقية الدول اسم الطرف الثالث ، وكان دورهم محدود يقتصر على تبادل المعلومات فقط
استمر أعضاء الحلف في العمل بسرية تامة حتى اندلاع الحرب الباردة ، حيث لعب هذا التحالف دورا بارزا فيها ، وتمكن من اختراق بعض الجواسيس الروس ، منهم جواسيس عطَّلوا مشروع مانهاتن الأمريكي الذي أُعِد لتصنيع قنبلة ذرية . قدمت المخابرات النيوزيلاندية والإسترالية الدعم المباشر للولايات المتحدة في آسيا والمحيط الهادي ، وخصوصا خلال حرب ڤيتنام ، كما أشرفت شبكات بريطانيا على مراقبة أنظمة الدفاع الجوي الفيتنامية .
توسَّع الحلف في نشاطاته ، وقام بتنفيذ عدة اغتيالات سياسية طالت الكثير من السياسيين والعسكريين في دول عدة ، منهم باتريس لومومبا زعيم حركة الاستقلال الكنجولي في يناير سنة 1961 م ، وقد تمكن الحلف من الإطاحة بأول رئيس منتخب في القارة اللاتينية ، وهو سلڤادور اليندي سنة 1973 م .
طالت أعمال الحلف أيضا الشرق الأوسط ، حيث أطاح برئيس الوزراء الإيراني “محمد مصدق” عام 1967 م في عملية أُطلق عليها اسم “أچاكس” ، كما تمكن الحلف من الوصول إلى كافة المعلومات عن دولة الكويت عقب الغزو العراقى لها . مرت السنون وأصبح الحلف يتجسس على العالم كله ليعتمد على أسلوبين فى جمع المعلومات ، أولهما “برنامج بريس” الذي يقوم بجمع المعلومات عن طريق شركات التكنولوچيا ، والثانى “اب . ستريم” ، والذي يجمع المعلومات من شبكات اتصالات المدنيين عبر الألياف الضوئية والبنية التحتية .
على الرغم من السرية التامة لهذا الحلف الاستخباراتي ، إلا أنه تم اختراقه على يد صحفي نيوزيلندي يُدعى “ليكي هاجر” ، عندما نشر كتابه تحت عنوان “القوة السرية آشلون” ، الذي كان قد تمكن من كشفه قبل ذلك باثني عشر عاما ، والذي يعتمد على نظام عالمي يستند إلى رصد المعلومات وتحليلها واعتراضها ونقلها بشكل سري ، مما أثار الكثير من الجدل ، وتم بعدها إماطة اللثام بشكل رسمي عن هذا التحالف ، كما فتح البرلمان الأوروبي تحقيقا في هذا النوع من التجسس لوقفه بشكل كامل ، ولكن المفوضية الأوروبية تمكنت من إيقاف التحقيقات .
في عام 2011 م ، تم تسريب مائتي وثيقة من قِبَل إدوارد سنودن ، الموظف بالمخابرات الأمريكية ، وهى وثائق سرية تحمل معلومات شديدة الحساسية والأهمية ، كشفت عن كون وكالة المخابرات الأمريكية احتفظت بكميات هائلة من البيانات من بريطانيا ودول أخرى ، من منظومهدة “العيون الخمس” ، تشتمل على معلومات لمواطنين للإيقاع بهم ، مما أثار غضب الولايات المتحدة وبريطانيا ، كما تم الكشف عن الكثير من وثائق الحلف الذي بقى سرا لسنوات طويلة .