جائحة كورونا والأوبئة النفسية المترتبة عليها والأشد خطرا على الترابط الأسري

مقال بقلم : د . مختار القاضي

إن ڤيروس كورونا الفتاك والذي لم يتم الكشف حتى الآن عن أي علاج أو مصل مضاد له ، اتضح أن له أخطار وتداعيات نفسية خطيرة جدا على الجنس البشري ، فبعد أن كان البشر اجتماعيين يحبون الأفراح والحفلات والذهاب لمشاهدة مباريات كره القدم والتنس والمصارعة ومدن الملاهي ، أصبح الجميع يخشون من بعضهم البعض ، ويرتدون الكمامات ويمتنعون عن السلام والأحضان والقبلات ؛ لأن من شأنها أن تنقل الڤيروس فيصاب الشخص بالمرض ، وبالتالي ينقله لمن حوله وأصبح الحل في الابتعاد وارتداء القفازات ، والتخفي عن الڤيروس بالكمامات الواقية والمحاليل المطهرة .

انتشر الفزع والخوف بين الناس خشية انتقال المرض إليهم أو نقله لأقرب الأقربين منهم فيكونوا سببا في إيذائهم ، أو حتى وفاتهم ليعيشوا ماتبقى لهم من حياتهم يشعرون بالذنب الذي لم ولن يسامحوا أنفسهم عليه أبدا . الكثير من البشر أيضا أصبحوا يشاهدون الكوابيس أثناء النوم بسبب ارتفاع نسبة الإصابات والوفيات في العالم كله ، وأصبح الجميع في انتظار المصل أو الدواء قبل أن يتحولوا جميعا إلى ضحايا للوباء .

تتوقع منظمة العمل الدولية خساره ١٩٥ مليون عامل لوظائفهم ، مما زرع مشاعر الخوف من المستقبل لدى المواطنين ، ومايترتب عليه من ضغوط نفسية وعصبية ونوبات من القلق والتي هي أول طريق الأمراض النفسية . وهنا يجب أن ندق ناقوس الخطر بالتحذير من أخطار الأمراض النفسية ؛ لأن العالم كله مهدد بما يسمى اضطراب مابعد الصدمة ، وهي تشبه الشعور بالحبس أو العزل يجعل المريض يتخيل أشياء لم تحدث ، فعدد المصابين بهذا المرض حول العالم يصل إلى ٣٥٤ مليون شخص ، وهو مرض يصيب أيضا الناجين من الحروب والحوادث .

ڤيروس سارس الذي يشبه كورونا تسبب في إصابة ٤٠ بالمائة من المتعافين منه باضطراب مابعد الصدمة ، والذي يسبب في أسوأ حالاته الإصابة بالاكتئاب الذي يؤدي بدوره إلى الإصابة بالأمراض الجسدية ، وقد لا يشعر المريض بخطورة ماهو فيه . هناك أيضا الشراء الهستيري للبضائع وهو مرض كذلك ، والذي يمكن أن يصيب أي دولة بأزمة اقتصادية كبيرة . أكدت إحصائيات في ألمانيا أن هناك إمرأة تصاب كل ساعة من شريك حياتها بجروح جسدية قبل وباء كورونا ، ولكن في فرنسا وبعد وباء كورونا ، ارتفع معدل العنف في أسبوع واحد بنسبة ٣٢ بالمائة ، وفي الأرچنتين ارتفعت شكاوى العنف الأسري بنسبة ٢٥ بالمائة ، وفي قبرص وسنغافورة ارتفعت شكاوى العنف الأسري مابين ٣٠ و ٣٥ بالمائة ، أما في الصين فقد ارتفعت بنسبة ثلاثة أضعاف في بعض المناطق .

أعلنت الأمم المتحدة أن هناك ٢٤٣ مليون سيدة تعرضن للعنف الأسري حول العالم السنة الماضية ، وأن هذه الأرقام تضاعفت بشكل مخيف هذا العام في ظل أزمة كورونا مما دعا أنطونيو غوتيريش سكرتير عام الأمم المتحدة ، إلى توجيه نداء عالمي لوقف العنف ضد المرأة ، كما دعا إلى وقف الطفرة الكبرى من العنف الأسري والمنزلي في ظل جائحة كورونا . أما بالنسبة لمصر ، فالمركز المصري لحقوق المرأة أكد أن الشكاوى من العنف ضد المرأة أرتفعت إلى الضعف في الأسابيع الأولى من العزل ، أما في لبنان فقد ارتفعت نسبة شكاوى العنف الأسري إلى حد الضعف ، مقارنة بالنسبة نفسها من العام الماضي . وهنا يبقى السؤال : لماذا زادت نسب العنف الأسري بهذه الدرجة المخيفة ؟!

في الأيام الأولى من الحجر كانت الأسر مرتاحة وسعيدة بالجلوس والخلوة ، ولكن مع امتداد فترة الحجر وضياع ملايين الوظائف مما جعل الآباء غير قادرين على الوفاء بالتزاماتهم المعيشية ، زادت المشاحنات الزوجية ، وبالتالي ارتفعت معدلات العنف الأسري ، وكلما زاد وقت الحجر ازدادت الضغوط النفسية ، إما بسبب عدم وجود المال أو بسبب الحجر المنزلي وفقد العمل ، وبالتالي توتر العلاقات الأسرية وارتفاع نسب العنف ، الأمر الذى تسبب في انهيار أسر بأكملها وارتفاع معدلات الطلاق وخراب البيوت ، مما سيؤثر أيضا على سلوكيات الأطفال عندما يكبرون ليصبحوا تربة خصبة من السهل التأثير عليها بأى أفكار عدوانية أو متطرفة . بالتالي فلابد من التوعية بأهمية الرعاية النفسية ، أسوة بالرعاية الطبية ، والتي لا زالت في أولى خطواتها بالدول العربية .

عن Gihan Elgarhy

شاهد أيضاً

قصي خولي في “كاربول كاريوكي”: العائلة مهمة في حياتي

كتب ابراهيم احمد حضور جماهيري لافت يحظى به الفنان السوري قصي خولي الذي تمكن من …