حرب أكتوبر المجيدة نقطة مضيئة في ذاكرة الأمة التي حسمت الصراع العربي الإسرائيلي

كتبت : جيهان الجارحي

حرب أكتوبر المجيدة هي إحدى الحروب التي اندلعت بين العرب والعدو الإسرائيلي ، والتي قامت بالتنسيق بين القيادتين المصرية والسورية ، بالإضافة إلى التعاون الوثيق من قِبَل دول عربية أخرى شقيقة ، لعبت دورا عظيما في دعم كل من مصر وسوريا ، سياسيا واقتصاديا وعسكريا ؛ لتأكيد القومية العربية المشتركة التي تهدف إلى حسم الصراع مع العدو الصهيوني واسترداد الأراضي المسلوبة .
خططت كل من القيادتين المصرية والسورية في تلك الحرب التاريخية لمهاجمة إسرائيل على جبهتين في وقتٍ واحد ؛ وذلك بهدف استعادة شبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان اللتيْن احتلتهما إسرائيل إبان حرب يونيو 1967

 

فبعد حرب يونيو 67 ، احتلت إسرائيل مرتفعات الجولان في سوريا ، والضفة الغربية لنهر الأردن ، ومدينة القدس وشبه جزيرة سيناء حتى وصلت إلى الضفة الشرقية لقناة السويس ، وأقامت تحصينات على المواقع التي احتلتها في قناة السويس ( خط بارليف) ، وكذلك في مرتفعات الجولان ( خط آلون) .
اعتمدت الخطة على المخابرات العامة المصرية والمخابرات السورية في خداع أجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية في آنٍ واحد ، واستخدام عنصر المفاجأة لمهاجمة العدو الإسرائيلي ، انطلاقا من كلتا الجبهتين المصرية والسورية ، حيث نزل الهجوم المفاجئ على العدو كالصاعقة في تمام الساعة الثانية ظهرا يوم السادس من أكتوبر ، والذي يوافق عيد الغفران اليهودي .

 

بدأت الحرب بهجوم مفاجئ من قِبَل القوات المصرية والسورية على القوات الإسرائيلية ، حيث توغلت القوات المسلحة المصرية لعمق 20 كم شرق قناة السويس ، وقامت باختراق التحصينات العسكرية التي أقامتها إسرائيل في شبه جزيرة سيناء وهو خط بارليف ، وفي ذات الوقت تمكنت القوات السورية من الدخول في عمق هضبة الجولان .
كان لعنصر المُباغتة العسكرية على إسرائيل أثر كبير في تحقيق الأهداف الاستراتيجية لكل من الجيشين المصري والسوري ، حيث بدأت النتائج المرجوة تؤتي أُكُلها بعد أيامٍ فقط من شن الهجوم ، فقامت القوات المصرية بمنع القوات الإسرائيلية من استخدام أنابيب النابالم التي وضعها العدو تحت قناة السويس ، وعلى طول ضفة القناة حتى تحرق كل من اقترب ، ولكن أبطال الجيش المصري كان لديهم الحل ، حيث قامت الضفادع البشرية – وهي قوات خاصة بحرية – بسد فتحات المواسير بمواد خاصة يوم 5 أكتوبر 1973 لمنع استخدامها عند عبور القوات المصرية للقناة في اليوم التالي 6 أكتوبر 1973 ، كما تم أسر مهندس مواسير النابالم في موجة العبور الأولى أثناء محاولته إصلاحها.

 

كان إيهود باراك ، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ، قد تخرج في ذلك الوقت من جامعة “ستانفورد” في الولايات المتحدة ، وكان قد انتهى من أداء الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي ، وبمجرد سماعه خبر الحرب عاد للتو إلى تل أبيب ، متوجها إلى مركز قيادة القوات الإسرائيلية ، والمعروف باسم “الحفرة” .
يقول إيهود باراك : ” لقد كانت الوجوه شاحبة كأنما يعلوها الغبار ، فقد كانت هذه اللحظة هي الأشد قسوة خلال الحرب ، وبعد ذلك بدأت القوات الإسرائيلية في دخول المعارك والسيطرة على مساحات من الأراضي ، لكن في ذلك اليوم ضاع أثر نصر 67 النفسي ، وضاع معه شعور أن الجيش الإسرائيلي لا يُقهر” .

انتفض الجيش الإسرائيلي مع نهاية الحرب ، وبدأت القوات الإسرائيلية تستعيد قواها التي خارت ، وتمكنت من فتح ثغرة تسمى “الدفرسوار” ، وعبر الجيش الإسرائيلي الضفة الغربية للقناة ، وتمكن من فرض حصار على الجيش الثالث الميداني ، ولكنه فشل في إصابة أهدافه ، فلم يتمكن من السيطرة على مدينة السويس ، أو تدمير الجيش الثالث الميداني ، ولكنه تمكن من رد القوات السورية عن هضبة الجولان .

 

في تلك اللحظة الحاسمة والفاصلة ، تدخل الاتحاد السوفييتي السابق ، وزوّد مصر وسوريا بالسلاح ، بينما أمدت الولايات المتحدة إسرائيل بالعتاد العسكري ، حيث كانت الحرب الباردة في ذروتها في مطلع سبعينيات القرن الماضي ، وبالتالي أصبحت الحرب بين الطرفين كما لو كانت تجري بالوكالة عن القوتين العظميين في العالم ، وكادت تؤدي إلى مواجهة بين القوتين النوويتين ، الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق .

في 19 أكتوبر 1973 ، طلب الرئيس الأمريكي نيكسون من الكونجرس ، اعتماد 2,2 مليار دولار مساعدات عاجلة لإسرائيل ، فقامت نتيجةً لذلك دول عربية شقيقة منها : السعودية والإمارات والعراق وليبيا ، بفرض حظر على الصادرات النفطية ؛ استجابةً لدعوة الرئيس الراحل أنور السادات ، حينما قام بزيارة سرية قبل الحرب إلى العاصمة السعودية الرياض ، وبالتحديد في أغسطس 1973 ، والتقى بالملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود ، وطلب منه قيام السعودية ودول الخليج بوقف ضخ النفط إلى الغرب في حال شن هجوم على العدو الإسرائيلي ، مما نجم عنه أزمة وقود حقيقية لدى الولايات المتحدة ودول الغرب ؛ معاقبةً لهم على دعمهم لإسرائيل ، من قِبَل دول الخليج الغنية بالنفط ، وهو ما أُطلق عليه “سلاح النفط” .

 

في نهاية الحرب ، تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية ، والدول الأعضاء في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ، وتم إصدار القرار رقم 338 الذي يقضي بوقف كل العمليات القتالية ، بدايةً من 22 أكتوبر 1973 ، وقبلت مصر القرار ، إلا أن إسرائيل قامت بخرق وقف إطلاق النار ، فأصدر مجلس الأمن الدولي قرارا آخر يوم 23 أكتوبر يُلزم جميع الأطراف بالوقف الفوري لإطلاق النار ، وخرجت مصر من المعركة ، بينما لم تتقبل سوريا وقف إطلاق النار بهدف الضغط على إسرئيل لاستعادة ما تبقى من مرتفعات الجولان .

سعى وزير الخارجية الأمريكي آنذاك هنري كسنجر ، إلى عقد هدنة بين الطرفين ، والتي تم تبديلها باتفاقية سلام من قِبَل مصر وسوريا في منتجع كامب ديفيد بالولايات المتحدة الأمريكية ، وانتهت الحرب رسميا بالتوقيع على اتفاق فض الاشتباك في 31 مايو 1974 ، حيث وافقت إسرائيل بموجبه على إعادة الضفة الشرقية لقناة السويس ، وإعادة مدينة القنيطرة إلى سوريا ، وأجزاء من الأراضي المحتلة عام 1967 ، وفي المقابل تم إبعاد القوات المصرية والسورية عن خط الهدنة ، وإنشاء قوة خاصة من الأمم المتحدة لمراقبة تفعيل الاتفاقية .

 

من نتائج حرب أكتوبر المجيدة ، بسط السيادة الكاملة على قناة السويس ، واسترداد أرض سيناء المحتلة ، عدا مدينة طابا التي تم استرجاعها بعد سنوات من النزاع القانوني في المحاكم الدولية عام 1989 ، كما تم استرداد جزء من مرتفعات الجولان ومدينة القُنيطرة السورية .
من نتائج الحرب كذلك تحطيم أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر ، والتي كانت سائدة بين القادة العسكريين في إسرائيل .
مهدت حرب أكتوبر لعقد اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل في سبتمبر 1978 ، كما أدت الحرب إلى عودة الملاحة إلى قناة السويس في يونيو عام 1975 .

 

إننا نفخر بتلك الحرب التاريخية ، حرب العزة والكرامة التي أعادت للأمة العربية مجدها وحقوقها المسلوبة ، ولكننا في ذات الوقت لا نريد أن نظل أسرى التباهي بأمجاد وبطولات الماضي ، بل علينا الاجتهاد في سبيل الحفاظ على تلك الأمجاد في الوقت الحاضر ، ونشر ثقافة السلام بين الشعوب العربية ، بل والعالم بأسره ، أقول سلام لا استسلام ، سلام القوة لا سلام الضعف ، السلام الشامل القائم على العدل ، سلام الحق والعدل والحرية ، ولن يتأتى ذلك إلا بالوحدة بين البلاد العربية ، ففي وحدتنا تكمن قوتنا ، علينا نبذ الخلافات والصراعات عملا بقول الله تعالى :
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ . صدق الله العظيم .

Related Posts

“غيما” العالمية تتوج “دبي للإعلام” بـ 4 جوائز في الإبداع والابتكار

  حققت “دبي للإعلام” نجاحات نوعية بعد تتويجها بـ 4 جوائز مهمة تكرم الإبداع والابتكار في مجال التسويق الترفيهي، وذلك خلال مشاركتها في حفل توزيع جوائز أكاديمية الفنون والعلوم للتسويق…

غداً… خابير موسكوسو يجيب السؤال: “كيف حاولت البشرية الإفلات من الألم؟” في المركز الثقافي الإسباني

كتب ابراهيم احمد يستضيف معهد ثربانتس بالقاهرة (المركز الثقافي الإسباني)، خابير موسكوسو، الباحث الإسباني في تاريخ وفلسفة العلوم، في حوار خاص عن “التأمل في الجسد ومتلازماته المادية والميتافيزيقية، وذلك في…

You Missed

الربان وسام هركي :  الانشقاقات هي بداية النهاية لحميدتي و مليشياته

الربان وسام هركي :  الانشقاقات هي بداية النهاية لحميدتي و مليشياته

الحكومة الكورية الجنوبية تلغي حدثا دوليا يضم 30,000 مشارك من 78 دولة مما يتسبب في أضرار دولية

الحكومة الكورية الجنوبية تلغي حدثا دوليا يضم 30,000 مشارك من 78 دولة مما يتسبب في أضرار دولية

الإعلامية عائشة الرشيد : إسرائيل تتجسس على المسؤولين الإيطاليين

الإعلامية عائشة الرشيد : إسرائيل تتجسس على المسؤولين الإيطاليين

الإعلامية عائشة الرشيد : ارتفاع تصنيف مصر الإئتماني

الإعلامية عائشة الرشيد : ارتفاع تصنيف مصر الإئتماني

الإعلامية عائشة الرشيد : العلاقات الأمريكية الروسية في مواجهة صعبة

الإعلامية عائشة الرشيد : العلاقات الأمريكية الروسية في مواجهة صعبة

الإعلامية عائشة الرشيد : العلاقات الدبلوماسية والشراكة الاستراتيجية الإماراتية الصينية

الإعلامية عائشة الرشيد : العلاقات الدبلوماسية والشراكة الاستراتيجية الإماراتية الصينية