بقلم : د. مختار القاضي
مراجعة : جيهان الجارحي
إنهم جماعة الحشاشين ، وهي من أكثر الجماعات دمويةً ودهاءً في القتل على مر التاريخ ، التي تتمحور حول شخصية حسن الصبَّاح التاريخية ، الذي وُلد بمدينة قُم في إيران ، ثم أعتنق المذهب الإسماعيلي عندما كان في مصر ، وأخذ على عاتقه نشر المذهب الإسماعيلي في بلاد فارس مسقط رأسه . اتخذ حسن الصبَّاح من قلعة تُدعى قلعة قلامود مقرا له . انقسم المذهب الإسماعيلي إلى قسميْن ، الأول برئاسة نزار بن المستنصر ، والثاني تتبع المستعلي بالله بن المستنصر ، والاثنان أخوة فرّق بينهما النزاع على خلافة الأب في الحكم ، والتي فاز بها المستعلي بالله .
استولى حسن الصبّاح على قلعه قلامود مع بعض أتباعه ، والتي كانت تقع على قمة جبل عالية وصخرية ، وهي حصن منيع يصل ارتفاعه إلى ألفيْن وثماني مائة متر (٢٨٠٠) ، وتطل على وادي سحيق ، بحيث لا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق وعرة وضيقة وشديدة الإنحدار .
تخفَّى أنصار الصبّاح داخل القلعة ، وسهّلوا له الاستيلاء عليها ، وعندما أحكم سيطرته عليها اشتراها من مالكها بمبلغ ثلاثة آلاف دينار ذهبي ثمنا لها ، وبذلك أصبح حسن الصبَّاح سيد القلعة وشيخ الجبل ، فلم يغادرها أبدا حتى وفاته ، حيث عاش فيها خمسة وثلاثين عاما . كانت القلعة بها بساتين غنّاء ، وبها أشجار فاكهة ، وجداول ماء وخضرة ، والأهم حسناوات فاتنات ورائعات الجمال يبرعن في الغناء والرقص وعزف الموسيقى . أوهم الصبّاح أتباعه بأن تلك الحديقة هي الجنة ، وأن دخولها يقتصر على أتباعه فقط ، ولكي يكونوا من أتباعه ، عليهم تنفيذ شرط واحد ألا وهو تصفية أعدائه . كان الصبّاح يوهم من يرغب بالانتماء إلى جماعته بأنهم في الجنة ، ويعطيهم شرابا من الحشيش ويدخلون إلى الحديقة ليروا الحسناوات الجميلات وفرق الرقص والموسيقى ، بالإضافة إلى ما لذّ وطاب من الطعام والشراب ، وممارسة الجنس مع الفتيات ، وإشباع رغباتهم من كل شيء ، ثم يتم بعد ذلك تخديرهم بالشراب حتى يناموا تماما ، ويتم إخراجهم من الحديقة ، ويقال لهم إنهم خرجوا من الجنة ، ولكي يعودوا إليها يجب عليهم تنفيذ أوامره .
يقوم الصبّاح بتكليفهم بتصفية أعدائه ، واعدا إيّاهم بأن يعودوا إلى الجنة ، فيفعلون كل ما يأمرهم به دون أية معارضة طمعا في الجنة المزعومة ، وإن ماتوا فإن الملائكة هي من ستدخلهم الجنة . كتب الرحّالة “ماركو بولو” عن هذه الأسطورة ، ولكن هناك من كذّبها استنادا إلى أن القلعة كان يكسوها الجليد غالبية السنة ، كما أن القلعة تم حرقها وماركو بولو عمره عامين فقط . سُمي أتباع الصبّاح بالحشاشين ، وقيل لأنهم كانوا يتناولون الحشيش ، كما قيل إن أصل التسمية هي الحسّاسون بمعنى القتلة ، ثم تم تغييرها إلى الحشاشين ، ويقال أيضا إن أصل التسمية هي الحساسان ، إشارةً إلى مؤسسها حسن الصبّاح ، ويُقال إن أصل التسمية هو العساسان نسبة إلى العسس أو الحراس .
أُطلق كذلك على أتباع حسن الصبّاح اسم الملاحدة ، المشتق من الإلحاد ، والمُلحد هو مَن لايؤمن بالله عزّ وجلّ ، إشارة إلى أن مذهب حسن الصبّاح لا يمُتّ للحق بأية صلة .
كانت استراتيچية أتباع حسن الصبّاح تقوم على الاغتيالات أو القتل ، وقيل إنهم أوائل الفدائيين في التاريخ ، وطبقا لما أورده الكاتب برنارد لويس ، فإن الحشّاشين كانوا يرتكبون أعمالهم الانتحارية والاغتيالات بأساليب بارعة ، فكانوا يجتنبون القتال المباشر الذي يُسقط ضحاياه قتلى من الطرفين ، فاعتمدوا على الاغتيال الانتقائي للشخصيات البارزة في دول الأعداء . كان الفدائيون مُدرَّبين بشكل احترافي على فنون القتال والتنكر والفروسية والاستراتيچيات والاغتيالات ، وأكثر ما يميزهم هو استعدادهم للموت في سبيل تحقيق أهدافهم . كان عليهم الاندماج في جيش العدو أو حُراس الملك الشخصي ؛ حتى يتمكنوا من دخول أماكن استراتيچية ، لا يمكن لغيرهم الوصول إليها ، فيمكنهم تنفيذ المهام الموّكَلون بها .
وقد ذكر المؤرِّخ كمال الدين ، أن زعيم الحشّاشين سنان راشد الدين في بلاد الشام ، أرسل مبعوثا إلى صلاح الدين الأيوبي ، وأمره أن يسلم رسالته إليه من دون وجود أحد ، وعندما وصل المبعوث إلى صلاح الدين أمر بتفتيشه ، ولمّا لم يجد معه شيئا أمر صلاح الدين بفض المجلس إلا من حارسيْن من المماليك ، وقال ائتني برسالتك فرفض المبعوث وأمر بصرف الحارسيْن ، فرفض صلاح الدين وقال للمبعوث : “إما أن تأتي برسالتك أو ترحل ؛ لأنهم في منزلة أبنائي وهم وأنا واحد . هنا التفت المبعوث إلى الحارسيْن وقال لهما : إذا أمرتكما باسم سيدي أن تقتلا هذا السلطان فهل ستنفذان ؟ فردا قائليْن نعم ، وأخرجا سيفيهما وقالا : مُرنا بما شئت ، فدُهش السلطان صلاح الدين ، وغادر المبعوث المكان وأخذ معه المملوكيْن .
كان للحشاشين قدرة فائقة على اختراق صفوف الأعداء ، وقتل قيادات كبرى وشخصيات معروفة ، مما أثار الرعب في قلوب الحكام والأمراء ، وقد تمكنوا من قتل الوزير السلچوقي نظام الملك ، وهى العملية التي كانت بدايةً لسلسلة طويلة من الاغتيالات ، قاموا بها ضد جنود وأمراء وقادة جيوش ورجال دين ، منهم الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله الذي أسقطوه من فوق فرسه وقتلوه ، بعد طعنه عدة طعنات مميتة ، وكذلك اغتيال الخليفة العباسي المسترشد ، وملك بيت المقدس كونراد ، كما حاولوا اغتيال السلطان صلاح الدين الأيوبي أكثر من مرة ، إلا أن مساعيهم باءت بالفشل .