سر مدينة النحاس الخفية وحقيقة وجودها

مقال بقلم : د . مختار القاضي

مراجعة : جيهان الجارحي

مدينة النحاس هي مدينة خفية ، لم يرها الكثير من البشر ، ويُقال إن سكانها من الإنس قد اختفوا تماما ، كما قال البعض إنها مدينة للجن مُشيَّدة بكامل مبانيها من معدن النحاس ، وإن أحدا لم يتمكن من زيارتها حتى الآن بسبب الارتفاع الشاهق لأسوارها العالية المبنية بالكامل من معدن النحاس اللامع . هذه المدينة لم يتمكن أحد من كشف أسرارها حتى الآن ، كما أنه لا أحد يعرف سر بنائها وحقيقة سكانها ، وإن كان البعض قد نسبها إلى نبي الله سُليمان – عليه السلام – الذي تمكَّن من تسخير الجن لبنائها ، ولكنها لا تزال حتى الآن أسطورة لايُعرَف عنها إلا القليل ، مثل مدن أتلانتس ، وفالهالا وازجارد ، والدورادو ، وأجارثا ، ونيوتنهاين .

 

ذُكرت هذه المدينة في كتب مُوثَّقة ترجع إلى عصر الدولة الأموية ، حيث انقسم العالم حينها إلى قسميْن ، قسم مؤمن بوجودها ، وقسم يعتقد أنها ضرب من الخيال .
يعتقد البعض أن معظم المدن الأسطورية تخفي ثروات كبيرة تفوق الخيال . مدينة النحاس هي مدينة مسحورة مليئة بالثروات النفيسة ، وكان مصير كل من حاول الوصول إليها ، إما الجنون ، أو الموت ، أو الاختفاء . وقد ذكر ابن الفقيه الهمذاني في كتابه “البلدان” الذي اعتبر فيه مدينة النحاس من عجائب الأندلس ، ووصفها بأنها لامثيل لها ، وأطلق عليها مدينة البهت ، أي الكذب ، كما أطلق البعض عليها اسم مدينة الصفر التي تعني النحاس الأصفر .

بلغ الملك عبد الملك بن مروان ، خامس الخلفاء الأمويين ، خبر مدينة النحاس ، وأن فيها كنوزا لم يشهدها بشر ، فكتب إلى موسى بن نُصير القائد العسكري يأمره بالمسير إليها وكشف أسرارها . جهَّز موسى بن نُصير الذي كان يقيم في القيروان بتونس جيشا من ألف فارس ، وأخذ معه زاد وماء يكفي لأربعة أشهر ، وانطلق إلى المدينة لمدة ٤٣ يوما ، ولكن يُقال إنه فشل في دخولها بعد أن رأى بريق المدينة قبل وصوله بأيام عديدة ، فهاله مظهرها وضخامتها ومساحتها الشاسعة . بات الجيش ليله قبل الوصول إلى أسوار المدينة ، وفي الصباح كبَّر الجيش ، وأرسل موسى بن نُصير فارسا إلى المدينة لأكتشافها ، ولكنه غاب ٧ أيام قبل أن يعود ، مؤكدا أن المدينة لاباب لها .

 

جمع موسى بن نُصير أمتعة جميع الفرسان ، ورصها فوق بعضها البعض حتى يبلغ أسوارها ، ولكن بلا جدوى ، فأمر بعمل سُلّم لتسلق أسوار المدينة العالية ، ثم أمر أحد الفرسان بتسلق السور مقابل ١٠ آلاف قطعة نقدية ، وبالفعل تسلّق أحد الفرسان السور ، وعند بلوغ نهايته نظر إلى المدينة وقهقه ضاحكا بصورة هستيرية ، وعاد على هذا الحال نازلا من السُلّم ، وتكرر نفس الأمر مع فارس آخر ، فعاد ابن النُصير بجنده خالي الوفاض . يقال أيضا فى رواية أبو حامد الأندلسي الغرناطي في كتابه “تحفة الألباب” ، إنه بعد محاولات ابن نُصير الفاشلة لاقتحام مدينة النحاس ، أرسل فرسان آخرين لتسلق السور والنزول داخل المدينة ، فما يكاد الفارس يفعل ذلك حتى يسقط داخل المدينة ، فتتصاعد ضجة كبيرة وأصوات مرعبة داخل المدينة ، بل إن أحد الفرسان تم ربطه بحبل ، وتسلق السور واندفع إلى داخل المدينة ، وعند رفعه عاد وقد انشطر جسمه إلى نصفين فمات قتيلا .

يُذكر أيضا أن هناك جان حذّر ابن النُصير من دخول هذه المدينة ، وعندما رفض ابن النصير ذلك ، أرسل الجان نملا ضخما ، فهاجم الجيش وقتل الكثير من الجنود ، ويقال كذلك إن المسيح الدجال قد قام بإخفاء هذه المدينة كما أخفى الكثير من المدن الأسطورية مثل مدينة أتلانتس . يقال أن الملك ذا القرنيْن هو من شيَّد هذه المدينة ، ووضع فيها كنوزه وطلسمها وسحرها ؛ حتى لا يتمكن أحد من الدخول اليها والاستيلاء على كنوزها ، بحيث يُقتل بمجرد اقترابه من المدينة . ويُقال إن الجن هم من قاموا ببناء مدينة النحاس نزولا على رغبة الملك سُليمان عليه السلام .

 

هناك رواية أخرى تؤكد أن موسى بن النصير قد تمكن من دخول المدينة ، حيث وجد ٢٥ بابا لم يتمكن من اقتحام أحدٍ منها ، ولكن رجلا واحدا تمكن من تسلق أسوار المدينة ، وجلس ينظر لساعة داخل المدينة ، ورأى عشر نساء فاتنات ، وكانت كل واحدة منهن تغويه لكي ينزل إليها ، ولكنه قاوم إغراء النساء ، مُكررا أسماء الله الحسنى ، مما أدى إلى اختفاء النساء تماما . سار الرجل إلى حافة السور حتى وصل إلى برج للمراقبة ، حيث وجد تمثالا من النحاس لفارس على جواده ، مكتوبا عليه “إن أردتَ فتح مدينة النحاس أفرك يديك” ، ففرك يديه ففُتح أحد الأبواب ، ودخل موسى بن نصير بصحبة نصف جيشه . وجد موسى بن نصير العديد من الجثث التي تبدو وكأن أصحابها نيّام ، ثم سار فوجد قصرا ضخما لامثيل له في البنيان ، فدخل القصر بفرسانه ، فوجده مليئا بالمجوهرات والكنوز ، فجمع وجنوده الكثير منها .

دخل ابن النُصير إحدى حُجرات القصر ، فوجد سيدة فائقة الجمال مستلقية على سرير ، وترتدي ملابس من حرير ، وبجوارها تمثالان لفارسيْن يحملان سيوفا ، وبجانبها لوحة مكتوبٌ عليها “خذوا ما تشاءون إلا مجوهراتي التي أرتديها” . يُقال إن هذه السيدة كانت ملكة المدينة التي ورثتها عن والدها الذي كان طاغية قد تكَبَّر في الأرض . كان على رأس السيدة تاج من أروع التيجان ، حاول أحد الفرسان الاستيلاء عليه ، فقتله التمثالان النحاسيان بالسيف ، ثم عادا إلى وضعهما .

 

خرج ابن النُصير من المدينة ، وسار بالكنوز إلى جبل به بشر ذوو بشرة سمراء من أبناء حام بن نوح عليه السلام ، يعبدون الله عن طريق نور عظيم يخرج من بحيرة ، ويعلمهم ملك كيف يعبدون الله ، فطلب منه ابن النُصير بعضا من القماقم النحاسية لإيصالها إلى أمير المؤمنين ، فأمر الملك رجاله بإحضارها من البحيرة ، ومضى ابن النصير في طريقه عائدا إلى أمير المؤمنين ، مُحمَّلا بكنوز مدينة النحاس .

عن Gihan Elgarhy

شاهد أيضاً

تحت عنوان “Mindset to Startup” كتاب جديد لهاني نجيب يرسم طريق رحلة ريادة الأعمال الناجحة

كتب ابراهيم احمد إطلاق هاني نجيب، الرائد في ريادة الاعمال، كتاب “Mindset to Startup” ، …