كتبت : جيهان الجارحي
يحتفل المصريون ، اليوم 25 أبريل ، بذكرى عظيمة ظلت خالدة في عقل ووجدان كل مصري ، ألا وهي ذكرى تحرير سيناء الحبيبة ، ذلك اليوم الذي ارتفع فيه علم مصر خفاقا ليرفرف في سماء الحرية ، فوق سيناء أرض الفيروز ، بوابة مصر الشرقية ومهد الديانات السماوية ، الأرض التي تجلى نور الله فوقها ليكلم موسى عليه السلام من فوق جبل الطور .
تأتي اليوم الذكرى ال 38 لتحرير سيناء لنتذكر الحروب الشرسة التي خاضها أبناء الجيش المصري الباسل ، وكفاحه الطويل والمرير مع العدو الصهيوني بعد احتلال لسيناء دام 15 عاما ؛ لتنتهي تلك المعارك والبطولات بانتصار ساحق للدبلوماسية والعسكرية المصرية التي أطلقت الرصاص والطائرات والمدافع ، ثم حملت أغصان الزيتون لاسترجاع أرض الفيروز …واليوم يستمر جنود القوات المسلحة في خوض حرب ضروس ضد الإرهاب الغاشم لدحره من جذوره ، والدفاع عن أرض سيناء الحبيبة ليرتوي ثراها بدمائهم الطاهرة .
في أعقاب نكسة يونيو 1967 واحتلال أرض سيناء المقدسة ، شرعت القيادة السياسية والعسكرية المصرية في خوض حرب الاستنزاف ؛ وذلك لتقوية الروح المعنوية للجيش المصري التي تأثرت بعد هزيمة 1967 ، وتقوية الجبهة الداخلية ، وفي ذات الوقت لتقويض القوة العسكرية الإسرائيلية وإضعافها .
مرت مرحلة الاستنزاف بثلاث مراحل : مرحلة الصمود ، ثم مرحلة الدفاع النشط ، وصولا إلى مرحلة الاستنزاف . ولعلنا لا ننسى أشهر معارك حرب الاستنزاف والتي منها معركة “رأس العش” ، وعملية إغراق المدمرة الإسرائيلية “إيلات” . هذه المعارك كان لها عظيم الأثر في تقوية الجبهة الداخلية ورفع الروح المعنوية لجنود الجيش المصري البواسل .
خلال فترة حكم الزعيم الراحل جمال عبد الناصر كانت مرحلة الصمود ، حيث تمت عملية إعادة البناء ووضع الهيكل الدفاعي والهندسي ، أما في مرحلة الدفاع النشط فقد أعلنت مصر خلالها أنها تسير بخطا ثابتة بناءة لتحرير الأرض ؛ وذلك بتوجيه ضربات استباقية في عمق الكيان الصهيوني وقذف قواته في سيناء ، ثم وصلت الحرب بعد ذلك إلى ذروتها خلال مرحلة الاستنزاف ، والتي سجل خلالها أبطال الصاعقة المصرية عمليات تم تنفيذها في عمق الدفاع الإسرائيلي ، نذكر منهم على سبيل المثال إبراهيم الرفاعي ، أسطورة الصاعقة المصرية .
استمرت تلك المرحلة حتى حرب أكتوبر المجيدة .
يأتي بعد ذلك دور بطل الحرب والسلام ، الزعيم الراحل محمد أنور السادات ، فبعد أن تولى حكم مصر عام 1970 ، استطاع بقوة عزيمته وحنكته السياسية خوض حرب أكتوبر المجيدة ، وفي ذات الوقت الذهاب إلى إسرائيل في عقر دارها .
كانت الفترة التي تولى فيها السادات الحكم فترة حرجة على الصعيدين الداخلي والخارجي ، تمكن خلالها من الاستعداد لخوض حرب شرسة خطط لها في أجواء من السرية والكتمان ، وانطلقت شرارة الحرب الأولى يوم السادس من أكتوبر في تمام الساعة الثانية ظهرا ، حيث بدأت بقصف جوي مكثف والتي تمكنت القوات المسلحة المصرية خلالها من تحطيم خط بارليف وعبور قناة السويس والتعمق لنحو 29 كم شرقا داخل أرض سيناء لتنهار بذلك أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر . تمكنت مصر بعد تلك الحرب من استعادة جزء من أرض سيناء ، كما عادت الملاحة البحرية لقناة السويس .
انتهت حرب أكتوبر المجيدة بعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 338 ، والذي يقضي بوقف جميع العمليات العسكرية بين إسرائيل والقوات المسلحة المصرية ، بالتوقيع على اتفاقيتي فض الاشتباك الأولى والثانية ؛ ليتوقف بذلك صوت هدير المعارك وأزيز الطائرات ودوي المدافع ، وتبدأ مرحلة جديدة من الدبلوماسية المصرية ، والتي لا تقل أهمية وضراوة عن حروب العسكرية المصرية . وضع الرئيس الراحل أنور السادات خطة السلام مثلما وضع خطة الحرب ، بعد أن ألقى كلمته أمام مجلس الشعب المصري وأعلن استعداده للذهاب إلى إسرائيل .
في نوفمبر 1977 ، ذهب السادات بالفعل إلى الكنيست الإسرائيلي وألقى خطابه التاريخي ليسمعه العالم بأسره ويجبر القيادة الإسرائيلية على قبول سلام القوة ، سلام الحق والعدل والحرية الذي أملاه بشروطه هو ، بعد تحقيق النصر المؤزر في حرب أكتوبر المجيدة .
أقدم بطل الحرب والسلام على دعوة أمريكا لعقد مؤتمر ثلاثي بين مصر وإسرائيل برعاية أمريكية ليبدأ دور الدبلوماسية المصرية بالاجتماع في منتجع كامب ديفيد عام 1978 ، ثم يتم توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979 .
استطاعت مصر بذلك وضع اللبنة الأولى لسبل تحقيق السلام في الشرق الأوسط ، وعادت السيادة المصرية على جميع أراضي سيناء الحبيبة ، بعد أن حددت اتفاقية كامب ديفيد الجدول الزمني لانسحاب القوات الإسرائيلية من سيناء المحتلة .
في يوم 25 أبريل 1982 ، كان الانسحاب الكامل لقوات الاحتلال الإسرائيلي من شبه جزيرة سيناء المحتلة ، ليرتفع بذلك العلم المصري فوق أرضها المقدسة ، ويسطر جنودنا الشرفاء أروع البطولات والأمجاد التي سجلت بحروف من نور في الصفحات المشرقة لتاريخ العسكرية والدبلوماسية المصرية على حد سواء .