في ذكرى ميلاد تلك البقعة المنسية .. قناة بنما معجزة هندسية ونقطة تحول تاريخية !

كتبت : جيهان الجارحي

قناة بنما هي قناة السفن في جمهورية بنما ، تصل بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادي ، وتعد من أعظم الإنجازات الهندسية في العالم . تم الانتهاء من شق هذه القناة عام 1914 م ، ويعد هذا التاريخ معجزة تاقت إلى تحقيقها نفوس الكثيرين في تلك البقعة المنسية من الأرض في أعماق البحر الكاريبي ، حيث شكل بناء تلك القناة نقطة تحول تاريخية لبلدة بنما غيرت مجرى الملاحة العالمية  .
كان هذا المشروع الفريد عالميا السبب الرئيس لنشوء هذا البلد ، وبروز حدوده على الخريطة العالمية ، ذلك المشروع العملاق الذي شكل توفيرا للوقت والجهد والمال ، وكان أحد الأسباب الهامة لنهوض شركات وازدهار اقتصادات واستثمارات لم تكن معهودة من قبل .

ولأن منسوب المياة في المحيط الأطلسي يختلف عن منسوب المياة في المحيط الهادي عند منطقة بنما ، فإن قناة بنما ليست مجرد قناة عادية ، بل هي معجزة هندسية ونقطة تحول تاريخية في حياة الدولة المنسية ، حيث يتم نقل السفن العملاقة من الجهة ذات المنسوب المنخفض إلى الجهة ذات المنسوب المرتفع .

في 7 مايو من عام 1914 عبرت أول باخرة مجرى القناة التاريخية ، والتي يرتفع قاعها لأكثر من 25 متر عن مستوى سطح البحر ، حيث تجتازها سفن ذات أبعاد محددة باستخدام نظم ومراكز تحكم خاصة متناهية في الدقة .

عملت قناة بنما على تقصير المسافة التي تقطعها السفن ما بين مدينتي نيويورك وسان فرانسيسكو إلى أقل من 8,370 كم . قبل شق القناة كانت السفن تضطر إلى الالتفاف حول كيب هورن في أمريكا الجنوبية قاطعة مسافة حوالي 20,900 كم ، عند إبحارها بين السواحل الشرقية والغربية للولايات المتحدة ، فساعدت قناة بنما على تقليص المسافة التي تقطعها السفن بحوالي 15,000كم
تعد قناة بنما مع قناة السويس من أهم ممرين مائيين اصطناعيين في العالم ، ويبلغ طول القناة 65 كم ، وطولها من المياة العميقة في المحيط الأطلسي إلى المياة العميقة في المحيط الهادي 82 كم

كانت أول محاولة لبناء قناة بنما عام 1880 برعاية فرنسية ، ولكن في عام 1883 تم التخلي عن بنائها بعد وفاة 21,900 من عمال البناء ؛ ويعزي ذلك إلى تفشي الأمراض مثل الملاريا والحمى الصفراء ، وكذلك بسبب الانهيارات الأرضية .

بعد الفشل الفرنسي لمشروع بناء قناة بنما ، بدأت الولايات المتحدة في التفكير لبناء تلك القناة ، وبذلت في سبيل ذلك جهودا مضنية ، ولكن البناء تسبب في وفاة 5600 عامل ، وعلى الرغم من ذلك تم افتتاح القناة عام 1914 ، كما تمت سيطرة الولايات المتحدة على القناة والمنطقة المحيطة .

كلف بناء قناة بنما الولايات المتحدة 380 مليون دولار أمريكي ، حيث عمل آلاف العمال في هذه القناة لمدة عشر سنوات ، مستخدمين مجارف البحار وآلات رفع الأتربة ؛ ليشقوا طريقهم عبر الغابات والتلال والمستنقعات ، وكان عليهم التغلب على الأمراض التي واجهتهم كالملاريا والحمى الصفراء .

في مطلع شهر أغسطس عام 1902 ، اشترت أمريكا حقوق قناة بنما من فرنسا ، حيث كان الفرنسيون هم أول من كلفوا بشق القناة ، إلا أن المشروع الفرنسي فشل لأسباب عديدة منها وفاة عدد كبير من عمال البناء بسبب تفشي الأمراض كما ذكر سالفا ، بالإضافة إلى طريقة تصميم المشروع ، مما جعل الولايات المتحدة تقوم بتصميم مشروع آخر اعتمدت فيه على مبدأ بناية السدود على نهر تشاجرز .

خضعت بعد ذلك منطقة القناة للولايات المتحدة الأمريكية بموجب اتفاقية بين البلدين ، بدأت من عام 1978 وحتى عام 1999 ، نجم عنها أن تولت الولايات المتحدة الأمريكية إدارة القناة لمدة 85 عاما ، قامت خلالها بتقسيم منطقة بنما إلى قسمين واحتلت المنطقة كما حظرت علم بنما ، مما دعا شعب بنما إلى تنظيم المظاهرات السياسية في عام 1962 للاحتجاج على تلك الأوضاع ، وبدأت المفاوضات المكثفة بين الولايات المتحدة وبنما والتي انتهت بتوقيع معاهدة في الأول من أكتوبر عام 1979 ، حيث وضعت تلك المعاهدة المنطقة تحت حكم مشترك ، ولكن في عام 1999 تنازلت الولايات المتحدة عن سلطتها في المنطقة لجمهورية بنما ، حيث استعادت سيادتها على القناة التي يمر بها 14,000 سفينة كل عام .

الجدير بالذكر أنه قد بدأ العمل على توسعة قناة بنما في شهر سبتمبر عام 2007 ، وبلغت تكلفة المشروع حوالي 5,2 مليار دولار ، وانتهى المشروع فعليا عام 2016 ، ومن المتوقع أن تساعد عملية توسيع القناة على السماح للسفن بالمرور بضعف الحجم المسموح به مسبقا ، مما سيزيد من كمية البضائع التي تمر خلال القناة بشكل كبير .
هذا ، وقد قامت سفينة ركاب تعود ملكيتها إلى شركة سكة حديد ” إس إس أنكون” بأول رحلة كاملة عبر القناة ، حيث أبحرت السفينة من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادي ، وبذلك حققت شعار القناة القائل : ” الأرض مقسمة لكن العالم متحد” .