مقال بقلم : د. مختار القاضي
مراجعة لغوية : جيهان الجارحي
نشأت فكرة التحنيط في مصر القديمة من منطلق عقائدي وديني بحت ، حيث كان المصري القديم يؤمن بعقيدة البعث والخلود والحساب والعقاب ؛ لذلك كان حريصا كل الحرص على أن يحتفظ بجثته لأطول فترة ممكنة حتى تحل فيها الروح ، ويعود المتوفى للحياة من جديد في أبهى وأجمل صورة . نشأ في مصر القديمة عدة أنواع من التحنيط ، منها تحنيط الملوك وهو أجود وأدق أنواع التحنيط ، وكان يتم في صورة فردية ، ويأتي بعده تحنيط الأمراء وكبار رجال الدولة ، ثم تحنيط عامة الشعب والذي كان يتم بصورة جماعية وبدرجة أقل من حيث الجودة والإتقان .
تعتمد فكرة التحنيط على تجفيف جسم المتوفى من المياه تماما ، ثم عزله بعد ذلك بدقة عن الوسط المحيط ، بحيث لا يتفاعل معه ، وبالتالي يتسبب في تلف المومياوات ، وذلك باستخدام ملح النطرون المتوفر في منطقة وادي النطرون ، وقد شهد عصر الدولة الحديثة تطورا كبيرا في فن التحنيط ، وصل به إلى أعلى درجة من الإتقان والجودة ، وتشهد على ذلك مومياوات الملوك في هذا العصر ، وكذلك كبار رجال الدولة . كان التحنيط في مصر القديمة يتم للإنسان بصفة عامة ، وكذلك لبعض الحيوانات التي كان يقدسها الشعب المصري قديما خلال العصر الفرعوني ، مثل القطط والتماسيح وإبن آوى ، وكذلك تم التحنيط لأنواع من الطيور مثل الصقور .
أما عن آلية عملية التحنيط ، فقد كان يتم وضع جثة المتوفى على مائدة من الحجر تسمى مائدة التحنيط ، بحيث تكون في وضع مائل حتى يتم تصفية جثة المتوفى تماما من المياه ، وتجفيفها باستخدام ملح النطرون الذي كان يوضع داخل صرر من الكتان بعد شق الجسم من الجانب الأيسر واستخراج الأحشاء التي كان يتم تجفيفها وتحنيطها بمفردها باستخدام ملح النطرون الشره جدا للمياه ، ثم وضعها في أواني خاصة تسمى الأواني الكانوبية ، بعد إضافة المواد الحافظة لها والمسك حتى يكون لها رائحه جميلة . أما بالنسبة لجثة المتوفى ، فبعد تجفيفها تماما من المياه يتم وضع زيت نخيل وزيوت عطرية ومواد حافظة ، وهي عبارة عن نباتات طبيعية لها القدرة على قتل الحشرات والبكتيريا والميكروبات حال تمكنها من الوصول إلى المومياء من الداخل ، وهذا ماكان يحدث للمومياوات التي تم لها تحنيط جماعي ، حيث وجد داخل إحدى المومياوات المحفوظة بمخزن متحف كوم أوشيم بالفيوم أعداد هائلة من الحشرات الميتة التي أبيدت بفعل تلك المواد الحافظة التي وضعها المحنط داخل المومياء .
عقب تجفيف الجسم من المياه تماما واستخراج الأحشاء منه فيما عدا القلب ، يتم عزلها باستخدام الشمع أو الراتنج الذي يتم وضعه على قماش من الكتان ، ثم تلف المومياوات به بطريقة فنية منظمة ، وذلك لجميع أنحاء جسم المومياء ، بطريقة تشبه ضفيرة الشعر ؛ حرصا منه على الشكل العام للمومياء ومظهرها الجمالي ، وبذلك يكون قد تم عزل المومياء تماما عن الوسط الخارجي فلا يحدث لها أي تفاعلات .
يتم بعد ذلك وضع المومياء داخل تابوت خشبي مطلي بالجص ( الجبس) ، وملون بألوان مستخرجة من الطبيعة ومخلوطة إما بزلال البيض أو الماء ، بحيث تكون ثابتة ولا تتغير بمرور الوقت ، وتستخدم هذه الألوان في الكتابات الهيروغليفية على التابوت ، والتي تسجل بها الأعمال الخيرية التي قام بها المتوفى ، وأمنياته في العالم الآخر ورسوم للآلهة الأربعة الحراسات ، إيزيس وأوزوريس ونيت ونفتيس .