بقلم : د. مختار القاضي
مراجعة : جيهان الجارحي
شُيِّدت المسلات المصرية في الغالب من الجرانيت الأحمر أو الوردي ، وهو من أقسى أنواع الأحجار ، وقد اهتم العالم بالمسلات المصرية وهاله طريقة تصنيعها التي لا تزال مجهولة حتى الآن ، رغم تعدد الآراء حول طريقة بنائها .
لقد أصبحت المسلات المصرية القديمة مطمعًا للعديد من الدول التي سعت للاستيلاء عليها ، سواءً كانت بطرق مشروعة أو غير مشروعة .
الجدير بالذكر ، أنه لم يتم التوصل إلى الأدوات التي تم بواسطتها صقل هذه المَسلات أو نحتها في الجبل أو المحجر حتى الآن ؛ وذلك لأن النحت فيها شاق جدا ، ولا يمكن أن يتم سواءً باستخدام النحاس أو الحديد .
إن الملك رمسيس الثاني منسوب إليه بناء ست عشرة مسلة بمنطقة صان الحجر بالشرقية ، وجميعها كانت عبارة عن قطعة واحدة . يوجد في إيطاليا عدد ثماني مسلات مصرية ، كما توجد مسلة في ميدان الكونكورد في باريس ، ومسلات أخرى منتشرة في عدد من دول العالم . عمليات نقل المسلات أيضا صعبة جدا ، وتستغرق الكثير من الوقت والجهد ، وغالبا ما كان يتم نقلها عن طريق السفن ، سواءً بالأنهار أو البحار .
أما عن فوائد المسلات المصرية القديمة ، فيُقال إنها صُنعت لتخليد أعمال وألقاب ملوك مصر القدماء ، أو رمز للتل الأزلي الذي وقف عليه الإله آتون إله الشمس أثناء خلق العالم ، وقال بعض العلماء إن المسلات رمز لإله الشمس وقدسية رع ، ويرى البعض الآخر أن فائدة المسلات أو الهدف منها غير معلوم حتى الآن . كل ما يقال عن بناء المسلات المصرية عبارة عن افتراضات ، ولكن الحقيقة أن المصريين القدماء كانت لديهم علوم متقدمة تقف وراء الإعجاز الهندسي وبناء المسلات . يستغرق بناء المسلات وقتا طويلا وتكاليف باهظة وعمالة كثيرة .
مسلة اسطنبول كان ارتفاعها حوالي ثلاثين مترا ، وتسببت عمليات النقل في كسر أكثر من ثلثها ، أما مسلة الفاتيكان ، فارتفاعها عشرون مترا ، ووزنها 330 طنا ، وهي موجودة حاليا بساحة الفاتيكان ، واستُخدم لرفعها تسعمائة عامل وخمسة وسبعون حصانا .
لقد فرّط محمد علي باشا في الآثار المصرية ، وأهدى مسلتيْن ، إحداهما لفرنسا والأخرى لإنجلترا ، والتي تُوفي أثناء نقلها ستة عمال ، أساؤهم الآن منقوشة أسفل المسلة . هناك استحالة في بناء هذه المسلات باستخدام الجواكيش والأزاميل والطرق البدائية . يوجد هرمان صغيران بالمُتحف المصري ، يُسمى كلٌ منهما باسم بن بن ، وهما جيّدا الصقل والنحت ، وبأضلاع مستقيمة ومتساوية ، كما أنهما بنفس دقة وتناسق الهرم أعلى المسلة .
لنحت مثيلات هذه المسلات اليوم ، يتم استخدام أجهزة حديثة تعمل بالكهرباء ، لم تكن متوفرة قديما ، والجرانيت الأحمر في محاجر أسوان له شهرة عالية ؛ بسبب جودته وشدة صلابته ، وتوجد منه أكبر مسلة في العالم ، والتي لم تكتمل بعد ، ولا تزال موجودة بالمحجر .
يؤكد مقياس “هيس” للصلابة أن صلابة الجرانيت الأحمر أقوى من صلابة الحديد أو البرونز أو النحاس ، وبالتالي فإن المادة الأقل صلابة لا يمكنها أن تقطع المادة الأكثر صلابة .
توَّلت بعض البعثات محاولة نحت مسلة مشابهة للمسلات المصرية ، إما باستخدام أوتاد من المعادن أو الأخشاب أو الأزاميل ، أو حتى نوع أكثر صلابة من الأحجار يسمى “الديوريت” ، ولكن جميع تلك المحاولات باءت بالفشل .
لقد نجحت طريقة حجر الدولورايت إلى حد ما ، ولكنها استغرقت حوالي سبع سنوات ، مما يؤكد أن قدماء المصريين كانت لديهم طرق أحدث ، ويؤكد ذلك نصٌ مكتوبٌ على مسلة الملكة حتشبسوت ، يؤكد أن المسلة استغرق بناؤها سبعة أشهر فقط .
٠