بقلم : د. مختار القاضي
قال العالم الألماني الشهير ألبرت أينشتاين : “إننى لا أعلم بأي الأسلحة سيخوض العالم الحرب العالمية الثالثة ، ولكنني متأكد أن الحرب العالمية الرابعة سيخوضونها بالعصا والحجارة” . وهذه المقولة كناية عن حجم الدمار الذي يمكن أن يحدث لو قامت حرب عالمية ثالثة بالأسلحة النووية .
إن ثمة حروب خفية واستباقية تهدف إلى امتلاك بعض الدول للسلاح النووي ، وحرمان البعض الآخر من هذا السلاح الخطير ، إما عن طريق العقوبات الاقتصادية أو الاغتيالات السياسية ، وهي تقتصر على أجهزة المخابرات والجواسيس لاغتيال العلماء المتخصصين في العلوم النووية عن طريق حروب الجيل الرابع . وتندرج حالات اغتيال علماء الذرة تحت قائمة الألغاز التاريخية التي ليس لها حل .
لقد تعرضت المنطقة العربية لخسائر جسيمة جرّاء تلك الحروب الخفية ، التي راح ضحيتها الكثير من علماء الذرة النوابغ ، الذين لو كانوا متواجدين حتى الآن لامتلكت دول عربية متعددة أسلحة الردع النووية .
في 27 نوفمبر 2020 م ، استيقظ العالم على نبأ اغتيال عالِم الذرة الإيرانى “محسن فخري زادة” ، الأب الروحي للبرنامج النووي الإيراني ، وأكثر الباحثين علما به وبمنظومة الصواريخ والأسلحة الإيرانية ، وهو يحمل رتبة عميد في الحرس الثوري الإيراني ، والعقل المدبر لإيران لتصنيع القنبلة النووية . وقضية اغتياله هي ضربة قوية للبرنامج النووي الإيرانى . إن أول المتهمين في اغتيال العالِم الإيرانى فخري زادة هو الموساد ، وهي ليست المرة الأولى التي يرتكبها الموساد ، ففي خلال الفترة بين سنة 2010 م و 2012 م ، تمكن الموساد من اغتيال 4 علماء متخصصين في مجال الفيزياء النووية ، وهم مسعود محمدي ، ومجيد شهرياري ، ودريوش نجاد ، ومصطفى أحمد . وجميعهم قتلوا بنفس الطريقة ، وهي تفجيرات باستخدام قنابل مغناطيسية .
قامت بتنفيذ تلك الاغتيالات وحدة متخصصة داخل الموساد تسمى كيدون . تعرض موكب فخري زادة لكمين بدأ بتفجير سيارة مفخخة فتوقف الموكب ، وبعدها تعرض الموكب لإطلاق نار من سلاح آلي يتم التحكم فيه عن بعد بواسطة الأقمار الصناعية ، ومزوَّد بخصائص الذكاء الاصطناعي ، وأهمها التعرف على الوجه ، فتعرف الجهاز على وجه زادة ، ثم وجه إليه جميع الطلقات دون أن يصاب أحد من راكبي سيارته ، بما فيهم زوجته التي كانت تبعد عنه مسافة 25 سم فقط ، بالإضافة إلى 11 حارسا من الحرس الشخصي لزادة ، الذين لم يُصَب منهم بأذى سوى حارس واحد فقط بعد أن ألقى بجسده على فخري زادة ليحميه من الموت ، ولكن فخري زادة قُتل بعد إصابته ب 13 طلقة في أماكن متفرقة من الجسم ، في عملية صنفتها المخابرات البريطانية بكونها أبرع عمليات الموساد .
كانت إسرائيل قد أعلنت من قبل عدم سماحها لإيران بامتلاك أي أسلحة نووية ، وبالتالي اخترق الموساد المفاعل النووي الإيرانى ، وهاجم أجهزة الطرد المركزي بڤيروس يُدعى “ستوكسنت” ، حيث تمكن من إحداث خسائر وتفجيرات داخل المفاعل استغرقت شهورا لإصلاحها ، ولكن إيران نفت ذلك ، كما لم يصدر منها أي رد فعل تجاه اغتيال فخري زادة ، لحين استلام الرئيس بايدن مقاليد الحكم في أمريكا ، وعودة الاتفاق النووي الإيراني ، ووقف العقوبات الاقتصادية .
إن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك أسلحة نووية ولا تخضع لأية رقابة ، حيث تمتلك حوالي 200 رأس نووية ، كما لا تسمح بالتفتيش عليها ولا تعلن عن قدراتها النووية ، كذلك لم تقم بالتوقيع على أية معاهدة لحظر الأسلحة النووية .
إن هذه الأسلحة توفر الأمان للكيان الصهيوني من خلال امتلاكها قوة ردع ليست موجودة في أية دولة عربية أخرى ؛ لذلك لن تسمح لأية دولة بأن تمتلك السلاح النووي حتى لا يختل ميزان القوى بمنطقة الشرق الأوسط .
لقد تعرض الكثير من العلماء العرب للاغتيال على يد جهاز الموساد الإسرائيلي ، الذي تمكن من اغتيال عالم الذرة المصري إسماعيل أحمد أدهم ، وهو أول عالم ذرة مصري يحصل على الدكتوراه في الفيزياء الذرية من جامعة موسكو ، ثم بدأ التدريس ولم يتعدَّ عمره 20 سنه فقط ، وكان نابغة علمية بحق ، ثم عاد إلى مصر وعاش في الاسكندرية ، وعقب الحرب العالمية الثانية تواصل مع القائد الألماني روميل ، وتم ضمه للبرنامج النووي الألماني .
قبل أن يقرر الدكتور إسماعيل السفر إلى ألمانيا ، قام بكتابة مقال عن الطاقة الذرية بعنوان “الذرة وبناؤها الكهربائي” باللغة الإنجليزية ، مما كان له تأثير كبير في انتشاره بسرعة كبيرة ولفت النظر من جانب الصهاينة . بعد تجهيز إجراءات السفر تم العثور على جثة عالم الذرة المصري غارقا في ساحل جليم بالإسكندرية ، ولم يتعدَّ عمره 29 سنة ، كما اختفت جميع مذكراته وأبحاثه .
أما أول عالمة ذرة مصرية هي الدكتورة “سميرة موسى” ، التي لُقبت بماري كوري الشرق ، والتي أسست هيئة الطاقة النووية سنة 1948م ؛ حتى تعطي الحق للدول العربية في أبحاث الطاقة النووية . سميرة موسى رفضت عقود عمل كثيرة لدى الغرب ، مما جعلته يقلق منها ، ففي سنة 1952 م وصلتها دعوة من أمريكا للمشاركة في عمل أبحاث عن الطاقة النووية من جامعة سانت لويس بولاية ميزوري ، وهناك تم الضغط على سميرة موسى للعمل مع الأمريكان ، ولكنها رفضت بشدة ، وقبل أن تعود تم اغتيالها بدهس سيارتها بشاحنة نقل ضخمة اختفت سريعا ، كما هرب سائق سيارتها ولم يظهر بعدها ، كذلك نفت أمريكا توجيه أية دعوى لها ، وتم تقييد القضية ضد مجهول .
الدكتور يحيى المشدّ ، عالم الذرة المصري ، كان يُعتبر من أهم عشرة علماء في العالم في مجال الطاقة النووية ، من حيث التصميم والتحكم في المفاعلات النووية ، والذي درس هندسة المفاعلات النووية في موسكو ، ثم عاد إلى مصر التي قامت بتعطيل البرنامج النووي المصري عقب نكسة 1967م ، مما اضطره للسفر إلى العراق لاستكمال أبحاثه ، وبالفعل أحدث طفرة كبيرة في البرنامج النووي العراقي ، بعد أن سخّر له الرئيس العراقي الراحل صدام حسين كل الإمكانيات . وفي يونيو سنة 1980 ، تم اغتيال المشدّ في غرفته بفندق الميريديان بباريس .
أما عالِم الذرة نبيل القليني الذي اختفى منذ سنة 1975 م ، دون العثور على أي أثر له ، في قصة يغلب عليها الغموض والإثارة . كانت جامعة القاهرة قد أرسلت الدكتور نبيل في بعثة إلى تشيكوسلوفاكيا لعمل دراسات متقدمة في مجال الذرة ، وكان لأبحاثه صدى واسع ، حيث تحدثت عنه الصحف التشيكية ، وحصل الدكتور نبيل على دكتوراه في الذرة من جامعة بروك ، ثم اختفى تماما قبل العودة إلى مصر ، وذلك يوم الإثنين الموافق 27 يناير سنة 1975 م صباحا . ولم تسفر تحقيقات السلطات التشيكية عن معرفة مصيره ، والتي أكدت أنه تلقى مكالمة تليفونية من مجهول ، فغادر غرفته ولم يُعرف مصيره ، ولكن بعض المصادر أكدت أنه وقع في كمين نصبه له الموساد ، ولم يُعرف حتى الآن إذا كان حيا أو ميتا أو محبوسا فى أحد السجون .